جريدة الجرائد

اتهام الإعلام بالتهويل

عبد الرحمن الراشد، اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير السابق لصحيفة "الشّرق الأوسط" والمدير العام السابق لقناة "العربيّة"
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
5-7 دقائق الأكيد أنه لو امتنع كل شخص عن المخالطة الاجتماعية، لما انتشر &"كورونا&". ولو أن أحداً لم يخرج من المدينة الموبوءة، ووهان، لما صار &"كورونا&" وباءً.
كثيرون يلومون الإعلام على التعامل مع جائحة &"كورونا المستجد&"، وهي هواية مفضلة عند مَن لا يعمل فيه. يتهمونه بنشر الرعب في قلوب الناس، فتهدد المدن بالفوضى، من التدافع على الأسواق فارتفاع الأسعار، بل وانقطاع الإمدادات، وأن بث الهلع يدمر حياة الناس.
وفي هذا شيء من الصحة، إنما في التهمة مبالغة وتناقض في آن. فرسالة الحكومات للناس &"أن تحجر على نفسها في بيوتها&"، من أجل سلامتهم. أغلبيتهم لم تفعل في البداية، مع وقف العمل، ملأ الناس الشواطئ والأسواق والمقاهي. جاءت النتيجة أسوأ مما خطط له. فاضطرت معظم الحكومات إلى إغلاق المحلات ووقف الخدمات. وحتى هذه لم تمنع نسبة من الناس من ممارسة حياتها العادية، واستمرّت التجمعات. مع مرور الوقت وارتفاع الإصابات، اتضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك علاقة بين الخروج والتخالط وارتفاع الإصابات، لتفرض الجهات الرسمية الحظر الجزئي. وبعد تمعّن، تبين أن مدناً وأحياء انتشر فيها الوباء أكثر من غيرها بسبب التهاون واللامبالاة، لهذا تم استهدافها بالحظر الكامل الذي يمنع الخروج. لا نتوقع من الإعلام وسط هذه الإجراءات التي لا سابقة لها في العالم أن يقوم بدور المطمئن وتسويق الوهم بأن كل شيء على ما يرام، وترديد ما يقوله البعض بان &"كورونا&" لا يستحق هذه الفرقعة الإعلامية والإجراءات الحكومية المتشددة. الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اختار في البداية خطاب التهوين، وعندما وصلت إليه الإحصائيات التي تشير إلى كارثة كبرى ستصيب نيويورك، خرج للعلن وحذر بأنه سيفرض الحجر الكامل على المدينة، وبعدها بيوم تراجع. الحقيقة ليس لأن كل أهل نيويورك المكتظة بالسكان التزموا البقاء في منازلهم، بل لأن الحكومة لا تملك ما يكفي من العسكر لإجبار عشرة ملايين إنسان على عدم الخروج، بخلاف الصين؛ ففي مقاطعة هوبي، عاصمتها ووهان التي انطلق منها الفيروس، لجأت السلطات إلى القوة العسكرية لوقف الحياة العادية، وانتشر الجيش مسلحاً في الأحياء، وتم إغلاق كامل المدينة الموبوءة، وتم منع الناس بالقوة من الخروج، وجُرّ من بيته كل من عُرِف أنه يعاني من أعراض المرض للمستشفيات أو الحجر الصحي. ولو لم تفعل الصين ذلك، لربما صار عدد المصابين عشرات الملايين. ما علاقة ذلك بالإعلام والتهمة الملصقة به؟ في ظل عدم استعداد معظم الحكومات أو عجزها عن مجاراة الصين، فإن التوعية والتحذيرات الصحية من أهم وسائل الوقاية، وإلا فإن الكارثة ستكبر. إن التهاون في إيصال رسائل إعلامية واضحة إلى ملايين الناس نتيجتها كارثية. ومن دونها، فإن العديد من أفراد المجتمع لن يتفاعل، وستستمر المقاهي والتسوق والتجمع ونشر الفيروسات على نطاق واسع جداً. لا بد أن تكون المعلومات صحيحة وصادقة مهما كانت صادمة. الخوف من &"تخويف&" الناس نتيجته سلبية، وهذه مسؤولية خطيرة في زمن الكوارث الكبرى. القرارات الحكومية القاسية تعكس القلق عند صُنّاع القرار، لأنهم يملكون معلومات كافية عن الآتي، وهنا يختلف القادة في تحملهم المسؤولية وإصدار القرارات الضرورية. ولا يمكن للإعلام بدوره أن يقنع الناس بتقبل النصح والتوجيهات دون أن يصارحهم مهما كانت الحقيقة مؤلمة. بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي ألقى خطاباً مكتوباً بعناية، قال كلاماً كثيراً، لكن المستمعين له استوقفتهم جملة روّعت الناس عندما رددتها وسائل الإعلام: &"المزيد من العائلات ستفقد أحبة لها&". واتهمه البعض باللامسؤولية لأن لندن، في اليوم التالي، صارت مدينة أشباح، وتوقفت حركتها التجارية. الحقيقة نعرفها اليوم، مرّ على الخطاب نحو عشرين يوماً، وفي المستشفيات 25 ألف مصاب، وحتى جونسون وعدد من قيادات حكومته أصيبوا أيضاً. الحقيقة أننا نواجه كارثة أخطر مما قلنا ويُقال.
ووظيفة الإعلام أن ينقل الأخبار مهما كانت سيئة أو مروّعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحية طيبة
فول على طول -

كل التحية والتقدير على هذا الكلام الموزون والراسخ والواقعى دون تهوين أو تهويل أو الاستهزاء بأحد بل وضع النقاط فوق الحروف . أنت فعلا مثال للمثقف الحقيقى وأكثر اللة من أمثالك فى عالمنا المغيب هذا بسبب الاعلاميين الذين يحتاجون الى محو أميتهم الاعلامية والذين يقودون المجتمع .

احيانا السلطة آخر من يعلم
حسان الشامي -

الساكت على الحق شيطان اخرس . تأكيدًا على صحة كلام الأستاذ عبدالرحمن الراشد المحترم . محطة أم تي في اللبنانية كانت الأولى والسباقة بدعوة اللبنانيين بالتزام منازلهم وعدم الخروج منها واغلاق المحلات والمؤسسات والمدارس ودور العبادة خوفا من وحش بدأ باجتياح الكرة الأرضية اسمه كورونا فقامت الدنيا ولم تقعد وكادت ان تمثل إمام المحاكم بتهمة التحريض على العصيان واثارة النعرات وما شابه . فإذ بالحكومة اللبنانية تقدم الاعتذار لهذه القناة . ودعت الشعب اللبناني إلى التزام المنازل وإغلاق عام وتام للأسواق والمدارس وكل المؤسسات العامة والخاصة . نعم السلطة الرابعة احيانا تملك معطيات واخبار واسرار لا تملكها السلطة الأولي فى البلاد وأحيانا آخر من يعلم .

شرف المهنة
شاهد شاهد -

الشهيد سليم اللوزي صاحب مجلة الحوادث الأسبوعية اللبنانية رحمه الله . كتب فى احدى مقالاته ( الغول اللبناني يبتلع سوريا ) فبعد ٤٢ عامًا ابتلع الغول اللبناني سوريا طائفيا ومذهبيا وعرقيا ومناطقيا نعم تنبأ بذلك فحصل ما تنبأ به . وقد تنبأ أيضا بالفوضى اللااخلاقية التى ستدمر منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية خصوصًا فحصل . فكتب عن البلقان ومن ثم بلقنة كل المنطقة فحصل . تنبأ بأن أحزمة بؤس ستزرع حول العاصمة بيروت ليتم بعدها تهجير اهل السنة والمسيحين إلى مناطق أخرى ليكون القرار فيها للطائفة الشيعية فحصل ما تنبأ به . تنبأ عن غزو واجتياح اميركي لجميع المنطقة فحصل . تنبأ بتغيير ديموغرافي وسيسولوجي وامني للمنطقة العربية برمتها فحصل . تكلم عن مقايضة الجولان مقابل نظام علوي دائم وأبدي فحصل . تكلم عن إطلاق عنان منظمات اصولية تحت مسميات وشعارات إسلامية للقضاء على القضية الفلسطينية نهائيًا فحصل . لربما ما تنبأ به الشهيد سليم اللوزي كان ثمنًا لحياته .