جريدة الجرائد

الخليج العربي واستمرار الاستفزاز الإيراني

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في الألفية السادسة قبل الميلاد، كانت المستوطنات الزراعية موجودة على ضفاف نهر الفرات في جنوب العراق، وفي الألفية الخامسة، بدأت أولى معالم الحياة المدنية تتشكّل، ثم تطوّرت لتظهر في حضارة سومر ودولها المتعددة من الألفية الرابعة إلى الثالثة، وكذلك الحضارة البابلية في الوسط والآشورية في الشمال.

وفي نهاية الألفية الثالثة، بدأت عيلام (الأحواز) تنافس سومر، وقضت عليها، كما قضت على الدولة البابلية الثانية (الكلدانية)، وفي مطلع الألفية الأولى، هاجرت قبائل الإخمينيين (الفُرس) من شمال آسيا عبر القوقاز واستقرت في الهضبة (جنوب شرقي إيران)، وهي آخر الهجرات الآرية، وزاحمت ثم قضت على دولة المديوية الكردية، وأسّست دولتها بين عامي (559-331 ق.م)، التي بسطت نفوذها من الهند شرقاً إلى ليبيا غرباً، وصولاً إلى مقدونيا شمالاً. وإنّ أقدم المصادر المدوّنة عنها جاءت في التوراة، التي تصفهم بـ"القبائل الهمجية التي تميل إلى سفك الدماء"، إذ إنّهم "أناس برابرة وسفاحون لا يرحمون أحداً"، وكذلك مصادر يونانية قديمة تنعتهم بـ"القبائل البدوية المتوحشة".

إنّ القصد من هذه المقدمة التاريخية، أنّ جذور الفُرس ليست من المنطقة أصلاً، وإذا استوطنوا في الهضبة وابتلعوا العهد الكردي القديم، فإنهم لم يتمكّنوا من فعل ذلك مع العرب، وعلى مرّ حقب التاريخ وعصوره، وجاء الإسلام فتوحدّ العرب تحت رايته، ومن بين فتوحاتهم الإسلامية دحروا الإمبراطورية الفارسية، التي كوّنت عند الفُرس عقدة تاريخية لم يُغادروها قط، وما هزيمتهم في حرب السنوات الثماني (1980-1988) وانتصار العراق على إيران، إلّا وكشفوا في أقرب فرصة عن عمق حقدهم وشرورهم بعد تمدّدهم في أربعة بلدان عربية.

الآن، تُضاف حلقة أخرى إلى سلسلة العدائية الفارسية تجاه العرب ودولهم، إذ نشر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي على صفحته في موقع "تويتر" تغريدة في الأول من الشهر الحالي، قال فيها إنّ "الخليج الفارسي بيتنا ومكان وجود الشعب الإيراني العظيم"، وإنّ "ساحل الخليج الفارسي إضافةً إلى مساحة كبيرة من سواحل بحر عُمان متعلّقة بالشعب الإيراني، نحن شعب قوي وذو تاريخ عميق".

وجاء تصعيد خامنئي المستفز متزامناً مع لقاء متلفز، صرح فيه قائد البحرية في "الحرس الثوري الإيراني" رضا تنغسيري أن "الخليج الفارسي مُلك لإيران ولا يمكن لأحد تزوير اسمه"، وإنّ "البحرين كانت جزءًا من الأراضي الإيرانية حتى عام 1970، والكويت أو الكوت تعني نصب الخيام النادرة بالفارسية". وأضاف أن "ذلك دليل على أن المنطقة كانت تُسمّى منذ القِدم بالخليج الفارسي"، وأنه "لا يمكن لأحد أن يغيّر اسمها"، مشيراً إلى أن "كل الخليج الفارسي ملك لأرض فارس". وكشف تنغسيري أيضاً عن أن "لدى المرشد الأعلى تعصّباً بالنسبة إلى الخليج الفارسي، فهو يحثنا على تسمية الجزر فيه بأسمائها الأصلية"، ويقول: بدلًا من تسمية جزيرة "أبو موسى" ينبغي إطلاق اسمها الفارسي "بو موسى"، وجزيرة "فاروران" بدلاً من تسمية "بني فارور".

وذكر تنغسيري أن "المرشد علي خامنئي أصدر أوامره لبدء البناء في جزر الخليج بغية إسكانها"، مشيراً إلى تشييد مطارات وكواسر أمواج من قِبل القوة البحرية للحرس الثوري في جزيرة طُنب الكبرى، كما أُنشئ مطار في جزيرة طُنب الصغرى، إضافةً إلى حوالى 50 كاسر أمواج للمواطنين، وشدّد على أن إيران لن تسمح بوجود الأساطيل الأجنبية في المنطقة.

أمّا عن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدمير الزوارق الإيرانية، فقال تنغسيري "الجميع يعرفون ترمب باعتباره شخصاً مقامراً ويطلق التهديدات، إلّا أنّه لا يفعل شيئاً"، متابعاً "شهدنا أداءه، ولكن لو أراد تنفيذ تهديداته، فإنّنا مثلما عملنا في الهجوم على قاعدة عين الأسد في العراق، سنردّ عليهم بكل قوة وحزم."

إنّ الغاية من التصعيد الاستفزازي للنظام الإيراني، حسب تصوّري، بسبب الأوضاع المتردية التي تعانيها البلاد وعلى المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالعقوبات الأميركية المتشدّدة وتآكل المشروع الإيراني في المنطقة وتصاعد وتيرة التشدّد الأوروبي، منها قرار ألمانيا الأخير بحظر "حزب الله" اللبناني كمنظمة إرهابية، لذلك، يهدف خامنئي وأركان حكمه إلى الإثارة المتعمدة ضد دول الخليج العربي، لكي يخلق مواجهة قد تؤدي إلى تصادم سياسي أو عسكري، تساعده في إيجاد مخرج يمكّنه من المساومة أو التحرك على خط تخفيف المعاناة بشكلٍ أو آخر.

من المؤكد أن دول الخليج العربي لن تنجرّ إلى مثل هذا الاستفزاز، بل وقع ما هو أخطر منه في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، عندما شنّت إيران عدوانها الجبان، الذي لم تعلن مسؤوليتها عنه، وذلك في الهجمات الصاروخية والطائرات المُسيّرة على منشأتَيْ بقيق وهجرة خُرَيص النفطيتَيْن من معامل "أرامكو" في السعودية، لكن حكمة الرياض في مجابهة ذلك العدوان كانت بطريقة متّزنة، إذ إنّ الأمر لا يتعلّق بالمملكة وحدها كدولة، بل بعصب الاقتصاد العالمي أيضاً، لذلك رفعت تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي ليتحمّل العالم مسؤوليته تجاه هذا العدوان السافر، وبلا أدنى شك، فإنّ هذه السياسة السعودية لها معيارها الخاص في المنظومة الخليجية.

صفوة القول إنّ "التاريخ العميق" الذي أشار إليه خامنئي، لا يخرج عن دائرة التزوير لحقائق التاريخ العميقة، وعلى الرغم من أنّ خامنئي نفسه أذري وليس فارسياً، لكن الفُرس والتُركمان والأكراد (الحديثين) جذورهم من خارج المنطقة، باستثناء العرب والأقليات من الآشوريين والكلدان والسريان، الذين اعتنقوا المسيحية.

أمّا كلام تنغسيري "الخليج الفارسي ملك لإيران"، فإنه يتّصل بالجانب السياسي لا التاريخي، وهذا الأمر تقع مسؤوليته على عاتق النظام الرسمي العربي بشكل عام، فإيران تقتنص أي ضعف عربي لتوظّفه لصالحها، ولا يُنكر، فقد حقّقت في هذا المجال بعض النتائج، ومنها تمدّد مشروعها الطائفي وتَحَكُّمها في بعض البلدان العربية، بينما ما زال العرب يفتقرون إلى مشروع استراتيجي يخصّهم، مع أن جميع الشعوب العربية، من محيطها إلى خليجها، يرحّبون بالمشروع الذي يجمعهم على إرادة واحدة.

كيفما كان الأمر، فإنّ الاستفزاز الإيراني ضد دول الخليج العربي لن يتوقف، كما إنه يعكس حالة الاضطراب التي يمر فيها النظام السياسي الإيراني، إذ ما جدوى الاستفزاز الذي يعتمد على مغالطات وأكاذيب تاريخية؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الاكاذيب
فول على طول -

من أكبر الأكاذيب والسرقات ما يسمى " الوطن العربى " ..فهذة الأوطان تم غزوها واحتلالها وتعريبها وأسلمتها بالقوة ولكن الكاتب أغفل هذا التاريخ أيضا ولكن تمعن فقط فى تاريخ الفرس .. العراق أو بلاد الشام أو شمال افريقيا لم يكن عربيا وهذا تاريخ أيضا اذا كنت تتكلم عن التاريخ . . الان وبعد الميديا لا يمكن تسويق البضاعة المغشوشة أو المحرفة .

أبناء الرب يحاولون بائسين يائسين تشويه تاريخنا العظيم
بسام عبد الله -

لن ينال من يدعون أنهم أبناء الرب من تاريخنا الإسلامي وفتوحاته العظيمة مهما قالوا ومهما حاولوا تشويهه فقوافله تسير وتنتشر وتتمدد منذ مئات السنين العترة على تاريخهم المظلم الذي يعرفه الجميع، ومصائبهم وبلاويهم وإبادة بعضهم البعض في حروب صليبة ودينية وعالمية وأهلية وإبادة سكان قارتين راح ضحيتها مئات الملايين من البشر، ومحاكم تفتيش وقتل وحرق العلماء مثل كوبرنيكوس وتكفيرهم مثل جاليليو. وكان الأجدر بالمشرقيين أن يشكروا الإسلام والمسلمين بدلاَ من محاولاتهم البائسة واليائسة لتشويه تاريخهم، فالفرق شاسع بين الفتح الإسلامي والغزو الصليبي، وهو أن الغزو ما قام به أقرانهم في قارتي امريكا واستراليا ضد السكان الأصليين وأبادوا الملايين منهم بأساليب وحشية، وسلبوهم أرضهم وسبوا نساءهم وإستعبدوا أطفالهم وإستبقوا عينات منهم حتى لا ينقرضوا في محميات متباعدة، وما قام به الصهاينة والصليبيين الذين جاؤوا من مختلف أصقاع الأرض لإبادة وتهجير السكان الأصليين. وكذلك فعلوا في قارة افريقيا، والحديث يطول. أما الفتح الإسلامي فقد حصل عندما إستنجدت الأقليات المسيحية في بلاد الشام ومصر لإنقاذهم من إبادة الرومان والفرس، وعندما وصل جيش المسلمين فتح البطاركة والرهبان والقسيسين أبواب المدن واستقبلوهم إستقبال الفاتحين والمنقذين لهم ونشروا الحضارة والأخلاق والطهارة والعلم والأدب وزاد عددهم وزادت كنائسهم، لذا أطلقوا عليه هم أي المسيحيين بالفتح الإسلامي العظيم، وأسلم معظمهم من السكان الأصليين الوثنيين والمسيحيين دون إكراه أو إرهاب كما فعل دواعش محاكم التفتيش في الأندلس.

المقدمة والخاتمة
برجس شويش -

في مقدمته الكاتب الجبوري يعتبر الكورد اكثر هيمنة بين الشعوب الآرية ومن ثم جاء الفرس ليحلوا محلهم, ربما اتفق مع هذه المعلومة , فلغة الكورد وتاريخهم ومواصفاتهم كلها تشي بان للكورد تاريخ غني رغم هيمنة الامبراطوريات على المنطقة في حقبات مختلفة, ولكن في الخاتمة الكاتب لا يعتبر الكورد من المنطقة التي يعيشون فيها ويعتبرها للعرب والاشورين والكلدانين اي للسامين, وهذا ايضا غير صحيح فالسامين هم من توسعوا نحو الشمال والغرب وربما هيمنوا على حضارة السومرين في المنطقة, فالكورد يوصفون بالشعب الجبلي , اذا كان الامر كذلك فمن كان يسكن الجبال ؟ الكورد من الشعوب الاصيلة في المنطقة في غرب ايران وشماله وشمال العراق وشرق تركيا وشرق وشمال سوريا , فلماذا لم يظهر الفرس في هذه المناطق كمجموعات اثنية مثلا على الرغم من امبراطوريتهم التي توسعت كثيرا في قديم الزمان؟ الكورد لم يبتعدوا كثيرا عن مركز ثقلهم البشري وان حصل في الجوار الذي لم يكن يعود للكورد بعكس العرب الذين ابتعدوا كثيرا عن مناطقهم ليهيمنوا على اراضي ومناطق تعود لشعوب واقوام لم يكونوا في جوار العرب.