جريدة الجرائد

حميميم في عصر «هواوي»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تركه المستشارون مع الليل وابتعدوا. لا يساورهم القلق. لم تقرع الشيخوخة بعد أبوابَ يومياته. لا يزال فتى الكرملين. يصطاد ويسبح ويتزلّج. يغامر ويناور أو يكابر. لكن ما لا يعرفه المستشارون هو أن شيئاً من روائح الخريف يهبُّ على روحه في الليل وقبل حلول الخريف.
لم يدهمه الذعر حين اجتاح الجنرال &"كوفيد - 19&" بلاده. ثقته بالخلاص الروسي لا تتزعزع. ابتسم بشيء من الشماتة. قال في نفسه إن &"كورونا&" لن يرجع من مغامرته الروسية بأفضل مما رجع به بونابرت وهتلر. تطربه رؤية الثلج يتراكم على مدافع نابليون المسجاة في حديقة الكرملين. تسكره العروض العسكرية في ذكرى الانتصار على النازية كأنها تعيد تجميع الشظايا السوفياتية في عهدة &"الرفيق&" الأمين العام.
يكتب المحللون أن وضعه ليس سيئاً. وأنه نجح كملاكم في توجيه ضربات عدة إلى روح الأطلسي والروح الأوروبية وإلى &"الثورات الملونة&" والانتفاضات &"الإخوانية&". يكتبون أيضاً أن تدخله في سوريا قبل خمسة أعوام أنقذ نظامها ولم يوقعه في أفغانستان جديدة. لكنه يعرف، أكثر من المحللين، أنه كسب الحرب هناك لكنه لم يصنع السلام، ما يبقي الاستنزاف وارداً ومطروحاً. استنزاف الصورة والهالة وخطر التحول إلى ما يشبه قوة إقليمية تستطيع منع حل، لكنها تعجز عن التفرد في صناعة حل.
لا تملك روسيا حلاً لمشكلة سوريا ولا تشكل سوريا حلاً لمشكلة روسيا.
نجح في إعطاء انطباع أنه حليف موثوق وقادر. لم يعد مصير نظام الأسد مطروحاً على الأقل في الوقت الحاضر. لكن بقاء النظام شيء، وعودة الحياة الطبيعية شيء آخر. يقلقه أن تكون إدارة دونالد ترمب تحاول دفع الوضع السوري إلى &"الاهتراء بين أيدي الروس&". والاهتراء يعني هنا تعاظم المتاعب الاقتصادية والمعيشية، وتعذر إعادة الإعمار وابتعاد المستثمرين عن المسرح السوري. وترجمة لهذا التوجه سيصبح &"قانون قيصر&" سارياً بعد أسبوعين ومعه مفاعيله السورية والروسية والإيرانية. العراقيون واللبنانيون أيضاً سيترددون كثيراً أمام سيف العقوبات الأميركي. وربما لرفع معنويات النظام في زحمة التدخلات التركية والإيرانية والاعتداءات الإسرائيلية اختار جعل السفير في دمشق مبعوثاً رئاسياً، وطلب التفاوض مع الحكومة السورية لتوسيع الحضور العسكري الروسي، وتوّج ذلك بتسليم الجيش السوري طائرات من طراز &"ميغ 29&".
في عالم ما قبل &"كورونا&" كان مرتاحاً. يمكن القول إنه كان مسروراً من نتائج سياسته في القرم وأوكرانيا وسوريا وإنتاج مزيد من الصواريخ وتلميع صورة &"الجيش الأحمر&". في عالم ما بعد &"كورونا&" تتسلل رائحة الخريف من بين أوراق الملفات، على رغم المسافة التي تفصلنا عن إطلالة الخريف.
في الأيام الأخيرة، تزوره شكوك يسارع إلى طردها. هل خاض معاركه في مسارح غير منتجة؟ هل استنزف طاقات بلاده في معارك متوسطة الأهمية؟ هل كان عليه أن يتعلم الدرس من ورثة دينغ هسياو بينغ بدل الانهماك بتضميد الجروح السوفياتية؟ هل كان عليه أن يمتلك شركة رائدة من قماشة &"هواوي&" بدل المفاخرة بالمرابطة في قاعدة حميميم؟ &"فيسبوك&" و&"هواوي&" و&"علي بابا&" هي حاملات الطائرات الحقيقية في عالم الثورة الصناعية الرابعة. لا يكفي أبداً أن تخيف العالم بترسانتك. عليك أن تبهره باقتصادك. وبتوظيف التقدم التكنولوجي في طرد الفقر من البيوت والأرياف ومدن الصفيح.
يتمشَّى في ليل الكرملين. يخشى أن يكون خاض سباقاته في الحلبات الخطأ. وأن يكتب التاريخ لاحقاً أنه لم يستطع التخلص من ثياب الضابط السوفياتي للحاق بالعصر. يهمه التاريخ. يقلقه التاريخ. يخشى أن يعاقبه أستاذه يوري أندروبوف، لأنه لم ينجح في الاحتفاظ بالمقعد السوفياتي في عالم المعسكرين. يخشى من غضب ستالين لأنَّ ورثة ماو تفوقوا على ورثته.
بعد عقدين من الإقامة في الكرملين يفكر كثيراً في المستشارين خصوصاً بعد ذهابهم منهكين إلى منازلهم وزوجاتهم. يبتسم. ما أصعب مهمتهم. ما أقسى أن يرتبط مصيرك بمصير غيرك. وأن يرتبط مزاجك بمزاج غيرك. الاقتراب من الضوء الساطع ممتع. يمني بالأوسمة وينذر بالاحتراق. هل يعقل أن المستشارين لا يعرفون معنى جولة &"كورونا&" التي يتخبط العالم في حبائلها؟ وهل يعقل أنهم لا يدركون معنى المعارك القاسية التي تطل برأسها؟ وهل يمكن تصديق أنهم لا يدركون أن مجلس إدارة العالم أصيب بخريف مبكر؟ وأن مصير الجولة الصينية - الأميركية المفتوحة سيحدد توزيع المقاعد في مجلس الإدارة الجديد؟
أغلب الظن أن المستشارين يعرفون لكنهم لا يقولون. يبتسم بوتين. ما أصعب أن تصارح الرئيس. ما أقسى أن تدسَّ الخيبة بين ضلوعه. وماذا تراه سيفعل لو قال له المستشار إن العالم بأسره يتفرج على حفلة الملاكمة التي أطلقها &"كورونا&" بين دونالد ترمب وشي جينبينغ. حفلة حاسمة بين الجنرال الأميركي والإمبراطور الصيني. وأن القيصر الروسي مدعو إلى الحضور لكن كمتفرج، بعدما خسر حقه في المبارزة طمعاً بالموقع الأول أو الثاني.
ينتابه شعور أن دولاً كثيرة باتت تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل. تحلم بكين أن ترى ترمب يغادر المكتب البيضاوي. تصرف دائماً وكأن &"الخطر الصيني&" حاضر في صحنه. في هذا السياق كانت عبارات العتب والتغريدات والإجراءات والرسوم على السلع والتحذيرات من الحرب التجارية. اتخذت التطورات بعداً آخر حين نزع الجنرال &"كوفيد - 19&" ورقة التين عن العلاقات الصينية - الأميركية.
كشف &"كورونا&" الستائر. معركة طويلة ومكلفة لإعادة صياغة مجلس ادارة العالم الذي أصيب بخريف مبكر. ستكون المعركة باهظة ومتعددة الساحات. ستصاب بلدان وتنزف شركات. وبانتظار النتائج يلاحظ في الصف الأول من المتفرجين قيصر الكرملين والمستشارة الألمانية وفتى الإليزيه والمصارع المؤتمن على 10 داونينغ ستريت.
يغضب بوتين من المشهد الذي يلوح بالمجيء. يقلقه التاريخ. روسيا بلاد قارسة تتذكر كُتاب الروايات وتنسى قياصرة الكرملين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هناك فرق كبير جدا
فول على طول -

هناك فرق كبير جدا جدا بين قطعة الأدب والمقال السياسي ...هل هذة قطعه أدبيه أم مقال سياسي ؟ كتابة المقال السياسي بأسلوب ادبى تنتج جنينا مشوها ..لا هى أدب ولا هى سياسه ..نرجو مراعاة ذلك مستقبلا . تحياتى على كل حال .

معركته خاسره
كندي -

صعد نجم بوتن بسبب ظروف دوليه واسعة الطيف : اوربا مفككه عمليا في مخاض طويل لبريكست هل تخرج بريطانيا ؟ هل تبقى ؟ بعض دول الاتحاد الأوربي افلست او شارفت كقبرص واليونان ، اداره امريكيه مهزوزه وجبانه ومتردده وغير مهيأة أبدا لأية مواجهة او تصعيد ( إدارة اوباما ) ، ( ربيع ) عربي بطعم الحنظل لشعوب المنطقة ، نهاية المرحلة الانتقالية لسقوط التحاد السوفيتي ( مرحلة يلتسن ) ... كل ذلك ساعد في ظهور رجل المخابرات متوسط الكفاءه بوتن تماما كما ساعد وجود سياسيين مثل تشامبرلين في ظهور هتلر العريف النازي ، الأمور تغيرت بعد وصول إدارة ترامب الى البيت الأبيض ، فترامب هو نقيض اوباما ولعله اعظم رئيس للولايات المتحده على مر العصور ، استغرق الامر بعض الوقت حتى استطاع ان يعود بالولايات المتحده الى موقعها الطبيعي كأعظم دوله في العالم ، بوتن استغل كل الضعف لتحقيق احلامه ( الهتلرية ) باعاده مد النفوذ الروسي الى العالم والذي انحسر بشده بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وعلى خطى مشابهة لهتلر احتل القرم وسوريا مستعينا بسلطه سأقطع غير شرعيه كسلطة حكومة فيشي ( سلطة النظام الأسدي ) وبدأ في ليبيا ، اخر مستجداته انه عين في سوريا مندوبا ساميا سماه موفد رئاسي ( مثل بريمر في العراق سابقا ) حيث ان الاسد اما انه بطيء الفهم او انه يحاول ان يخرج عن حدود الطاعه المرسومة ، وكما سقط هتلر سيسقط بوتن ، لا يمكن ابدا لروسيا ان تحتل دوله مثل سوريا ( رغم صغرها وضعف امكانياتها الاقتصاديه ) ، ستخرج روسيا من المنطقه كما خرجت النازيه ، دول العالم الحر لن تسمح ابدا بالتمدد الروسي ، روسيا التي كانت تحصل على رواتب موظفيها من الولايات المتحده بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لن تصبح دوله عظمى ابدا ، سيسقط بوتن او تنهار روسيا اذا استمر في مغامرات احلامه المسمومه .