ذاكرة ملك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يقول الصحافي الفرنسي الذائع الصيت إريك لوران، المتخصص في السياسة الدولية والذي عمل مستشارا لدى العديد من دور النشر العالمية، يقول بصفته الصحافي المحاور: &".. وعلى أية حال فقد كان في كلامه وسكوته اكثر استرسالاً وغموضاً من أغلبية قادة العالم ممن التقيت بهم حتى الآن&". ويضيف: &"عندما كنت أجلس أمامه لم يكن أبدا على اطلاع سابق على الموضوعات التي سأتطرق لها أو الأسئلة التي أود طرحها، وأستطيع ان أؤكد انه لم يبد في أي وقت رغبة في الخروج عن هذه القاعدة المتفق عليها ضمنيا. في بعض الأحيان اشعر انه قلق من بعض القضايا التي كنا نتداولها، كانت وكما يبدو لي تشكل حرجاً، لكنه لم يتهرب أبدا من التطرق اليها رغم ان البعض منها كان خارجا عن المألوف، لا بل اكثر من ذلك عندما عرضت عليه المشروع متكاملاً لقراءته بعد الانتهاء من إعداده لم يدخل عليه أية رتوشات أو تعديل، تركه كما هو&".
نأتي لما قاله الأستاذ عثمان العمير رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط في حينه. يقول إن هذا اول انطباع بدا لي وأن أتشرف بان أكون من قلة قليلة اتيحت لها قراءة هذا السفر الممتع قبل صدوره. أما الانطباع الثاني فهو ذلك الزخم مما تختزنه ذاكرة ذلك القائد العجيبة والفريدة. هو لا يتكلم بصيغة من يأمرك ان تقتنع دون مناقشة بل بأسلوب من يبسط لك الحقائق، ذلك أسهل الطرق إلى الإقناع. يضيف ان هذا الكتاب ليس محاورات بين صحافي قدير وزعيم عالمي، انه رؤيا فلسفية ذات بعد فكري ونهج سياسي وفضائيات ثقافية يعجز عنها ابدع الذين فاقوا غيرهم في تبسيط النظريات. لقد كان وطنه حقل تعليم وملاحظة للمؤرخ الشهير ابن خلدون الذي اهدى بدوره للإنسانية فن كتابة التاريخ وهندسة علم الاجتماع، حتى قال عنه المؤرخ البريطاني الشهير آرنولد توينبي انه أعظم عمل من نوعه كتبه أي مفكر حتى الآن. يقول العمير لا بد ان اعترف بأن هذا القائد قلد جريدة الشرق الأوسط والشركة السعودية للأبحاث والنشر وساماً نعتز به ونحن ننشر ونطبع ونوزع هذا الكتاب القيم.
دعونا نقرأ معا القليل القليل من ذلك الحوار الممتع. عندما سأله الصحافي ما هي اول ذكرى لديكم عندما كنتم شاباً يافعاً في ميدان السياسة الخارجية كان رده بدون شك ذلك اللقاء. كنت في الرابعة عشرة من عمري كنت في حجرة الدراسة وعلى غير العادة حضر والدي وأمرني خلال عشر دقائق سنخرج معا. وهكذا خرجت بمعيته في وسط ذهول إدارة المعهد إلى احد القصور ووجدت امامي في واحدة من الغرف طاولة جلس اليها رجلان طاعنان في السن، تعرفت عليهما بسرعة لتكرار مشاهدتي لصورهما في الصحف (الرئيس الأميركي روزفلت والوزير الأول البريطاني تشرشل)، كم كان يمثل لي هذا اللقاء من قيمة. تم في سرية تامة والحرب الثانية على أشدها، كاد هذا الاجتماع يتعرض لنهاية مفجعة، خبره وصل للألمان ولحسن الحظ جاء في الشفرة المرسلة لبرلين ترجمة غير دقيقة، حيث فهم الألمان ان مكان الاجتماع في البيت الأبيض الأميركي وليس في الدار البيضاء (كازابلانكا). وردا على سؤال آخر يقول كان فارق السن بين الوالد وبيني لا يتجاوز العشرين عاما، وكنت دائما أتمنى ان يرزقني الله بمولود ذكر ليتربى في كنف والدي ليعد إعدادا جيدا كولي للعهد، حيث كان والدي في صحة ممتازة ويمارس رياضة التنس وكنت أتوقع ان يمتد به العمر إلى ما بعد الثمانين. وعلى سؤال آخر يقول سافرنا إلى فرنسا بعد نهاية الحرب وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وطوال تلك الرحلة التي استغرقت يومين ونصف اليوم، مكثت وحدي في غرفتي في السفينة أنسخ بيدي مذكرة من أربعين صفحة تتمحور عن مستقبل بلدي، حررت بالتعاون مع أقطاب الحركة الوطنية والتي كان سيقدمها والدي إلى الجنرال (ديغول)، كنت أشعر وكأنني أتلقى بسرعة خارقة درسا عظيما في ماده التاريخ. العديد من هذه الأسئلة والأجوبة كونت كتابا ذا قيمة من 183 صفحة اسمه &"ذاكرة ملك&"، الملك هو المغفور له الحسن الثاني ملك المغرب.