جريدة الجرائد

ثلاثون عاماً من الطعم المر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

غداً الثاني من أغسطس (آب) 2020 سوف يكون قد مرَّ على وقوع الغزو العراقي للكويت ثلاثون عاماً أو ما يسميه الأستاذ عبد الله بشارة &"الزمن العابس&"، ربما جيل كامل من العراقيين والكويتيين لم يعرفوا لا تفاصيل ولا أحداث ذلك الغزو، هم فقط يلمسون بشكل مباشر أو غير مباشر النتائج الكارثية التي أدَّى إليها، ليس فقط في البلدين، لكن في المنطقة كلها. الحديث عن الغزو جاءت سيرته في العقود الثلاثة الماضية، ورويت تفاصيله من أكثر من مصدر، لكننا اليوم نبحث عن الأسباب العميقة والسائدة حتى اليوم في وقوع مثل ذلك الحدث الكارثي، نبحث عن أسباب استمرار &"الزمن العابس&". لعل تلخيص الأسباب الرئيسية يمكن إجمالها في القول، إنها &"شهوة التوسع من جهة، وفشل في إدارة الدولة القومية من جهة أخرى&"، ذانك العاملان لم يتوقفا عن الفعل في تخريب المنطقة وتعطيل التنمية حتى اليوم، بل أنتجا الكثير من المآسي وما زالا يفعلان. حروب اليمن وسوريا والسودان وليبيا، إفلاس لبنان وتدهور الوضع في إيران، كلها لها مرجعية واحدة هي &"جرثومة التوسع من جهة والفشل في إدارة الدولة من جهة أخرى&". اللافت، أن التاريخ يقدم لنا سلسلة طويلة من الأحداث التي أدَّت إلى انكفاء وربما تلاشي الدول بسبب تزامن ذينك العاملين. حرب فيتنام أثرت بعمق في سيكولوجية المؤسسة الأميركية والتطور اللاحق في تصرف وعقيدة الولايات المتحدة، سقوط الاتحاد السوفياتي بدأت جرثومته في حرب الدولة الكبيرة على أفغانستان، وتدهور العراق المشاهد إلى اليوم كانت جذوره في المغامرات الخارجية التي كانت ترغب في صرف النظر عن الفشل الداخلي، وتحت شعار &"أمة عربية واحدة&"، وتبيَّن أنه شعار يتلهى به السذج، فلم يحقق الحزب الواحد (البعث) في مكانين حكمهما بالتزامن العراق وسوريا أي &"وحدة&" ولا حتى ورقية! إن ذهبنا إلى أبعد نجد ربما ضالتنا في كتاب غوستاف لوبون، الثورة الفرنسية، وكيف أخذتها شهوتها إلى التوسع إلى حتفها، واللافت يقول بعد أن درس ثورات العالم في النصف الأخير من القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين، أن الحكومات لا تسقط من خارجها هي فقط تنتحر! المعنى واضح، فشلها في إدارة الداخل يوصلها إلى السير في مغامرات خارجية حتى تسقط. إذا رفعنا أعيننا اليوم لمتابعة شهوة التدخل في الخارج والفشل في الداخل، نجد أمامنا مثالين، الأول طيب رجب إردوغان التي تعاني بلاده من مشكلات عميقة في الاقتصاد والبطالة والكثير من الفساد، فيتمدد إلى الخارج ليس الجوار فقط، لكن أيضاً شمال أفريقيا وشرقها وجنوب الخليج، والآخر في إيران علي خامنئي الذي يتمدَّد في الجوار العراقي والسوري واللبناني واليمني، بل وإلى أميركا الجنوبية، في الوقت الذي تعاني الشعوب الإيرانية من الفقر والقمع معاً مما ينمّي شعور الرفض في الداخل الإيراني. قد يرى البعض أن هناك فرقاً بين شهية صدام حسين في التمدد وشهية إردوغان أو خامنئي، لكنه فرق في الدرجة وليس في النوع ولا المسار. هروب من استحقاقات في الداخل وتنمية روح توسعية في الخارج يخلق وهماً بالانتصار، لكنه وهم سرعان ما يرتطم بالحقائق على الأرض.
صدام حسين قبل ثلاثين عاماً كانت شعاراته لتبرير احتلال الكويت هو &"تحقيق الوحدة العربية، وأيضاً طريق لتحرير القدس&"! لا تختلف في العمق شعارات إردوغان وخامنئي عن ذلك إلا في الصياغة والتوقيت، وهما أول من يعلم أن كل ذلك لإخفاء الحقيقة، وهي التوسع والاستحواذ على الموارد لعلها تسد بعضاً من الطلب المتنامي لإنعاش الاقتصاد في الداخل. النتيجة كانت بالنسبة لصدام حسين هي التي نعرفها هدم العراق وتفتيته وتعريض موارده للنهب من الآخرين، أما الصورة الأكثر سوداوية فهي نتيجة التدخل الإيراني في كل من لبنان واليمن، في الأولى وصلت نسبة التضخم كما تصفه التقارير الدولية أنه &"مفرط&"، وما ينتج من ذلك من تداعيات على المواطنين، أما في اليمن فقد وصل أمر المواطن اليمني تحت قبضة الحوثي إلى مكان مزرٍ لا تقبله النفس البشرية. إردوغان يصرف موارد الدولة التركية التي بدأت تشح على مرتزقة لإرسالهم إلى الصحراء الليبية، لعل بعضاً من فيض نفط ليبيا يصيب شريان اقتصاده، وبالتأكيد هو واهم هنا أشد الوهم؛ فذلك المكان سوف يشكل أحد الثقوب السوداء لإدارته المغامرة، كمثل ما شكلت أفغانستان ثقباً أسود في إدارة الاتحاد السوفياتي. الإشكالية الكبرى في المعادلة السائدة والتي امتدت من مغامرة صدام حسين إلى مغامرات حالية لإردوغان وخامنئي أن الكل لم يستطع أن يقرأ العالم المحيط كما يجب، وغطس في شعارات هو فقط يصدقها ويسير الآخرون خلفه إلى وهم الإمبراطورية التي يجب أن تُحيا. الزمن ليس زمن إمبراطوريات، فهو يتضاءل حتى لدى الإمبراطوريات الحديثة، وكل محاولة لاسترجاع الماضي هي بالضرورة عبثية، سواء كانت نظرية كما لدى بعض الحركات السياسية في فضائنا العربي، أو محاولة على الأرض كما هي المحاولة الإردوغانية والخامنئية. لعل القارئ يلاحظ أن الحديث هنا عن القادة وليس الشعوب؛ لأنه ثبت بعد سقوط صدام حسين، أن معظم من كان معه قالوا إنهم كانوا مجبرين على السير معه في مغامراته؛ لأنَّ ثمن الاختلاف هو المشنقة أو الرصاص! بالتأكيد لا الشعب التركي ولا الإيراني عليهما جريرة، فقط تلك النخبة التي إما عن انتهازية أو مصلحة أو وهم، تسير وراء قادة انفصلوا عن الواقع والعالم وقوانينه الدولية.
الشعب اللبناني واليمني والسوري والليبي يدفع الثمن وهو قدر هذه الشعوب التي وضعت في مسار تلك المعادلة الشريرة &"شهوة توسع إلى الخارج وفشل في الداخل&"، لكن الصورة ليست بهذا السواد، فكما وقف الشعب الكويتي ومناصروه في المملكة العربية السعودية ودول الخليج قاطبة وعدد من الدول العربية يتصدى للهجمة البربرية لصدام، تقف قطاعات واسعة من الشعب السوري واللبناني والعراقي والليبي واليمني أمام تلك المعادلة الشريرة، وكما انتصرت إرادة الحق في تحرير الكويت قبل ثلاثين عاماً، سوف تنتصر إرادة الشعوب في رفض الهيمنة والتوسع، ولكن الطعم المر سوف يبقى في الحلوق في هذا الزمن العابس!
آخر الكلام:
مرحلة انتقال قاسية تعاني منها شعوبنا، حيث تواجه مشاريع سياسية يعيش أصحابها في عالم افتراضي!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شهوة التوسع
صالح -

شهوة التوسع وغباء القادة هو سبب البلاء ,ان الذي غزا الكويت شخص غير مثقف وعقليته عقلية عشائرية ولم يتفطن انه يعيش في مجتمع دولي مدني. وساعدته بعض العوامل لغزو دولة شقيقة مجاورة وهي :اولا طبيعته العدوانية وثانيا قدرات بلاده على الحروب والانبطاح الكامل لشعبه الفاقد للارادة والبصيرة التي جعلت منه وحشا كاسرا وثالثا المواقف العالمية واولها موقف امريكيا وروسيا اللتان لم تبديان اي اعتراض على الغزو وموقف بعض القيادات العربية الحاقدة مثل السلطة الفلسطينية التي ساندته في الغزو وربما اعتمد الغازي على الاعداد الكبيرة منهم في الكويت لتكون سند له و الليبي والسوداني اليمني الذين صوروا له ان العالم العربي سيكون بجانبه ورابعا روعونته وغبائه لانه لم يتفطن بان امريكا و حلفائها نجحوا بتفتيت الاتحاد السوفيتي فكيف سيسمحوا له بالاتحاد مع دولة غنية بالنفط تعطيه القوة لغزو دول اخرى؟ وخامسا ضعف الرؤية السياسيةلحكومة الكويت التي استخدمت طابعا سخريا من الغازي(ص.ح) وسارت بعقلية ان الاخوة لن يعتدوا على بعضهم البعض ولم يستخدموا سياسة المراوغة والمد والجزر في قضية الديون المترتبة على الغازي. اما ما يحدث في ايران وتركيا فمستقبلهم لن يكون افضل من سلفهم العراقي. اما الحروب في اليمن و سوريا والصراعات في العراق ولبنان و ليبيا فان تركيا وايران تلعبان الورقة الطائفية في هذه الدول .