جريدة الجرائد

يوتوبيا المستقبل المجهول!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أحدث كوفيد 19 تغيرات واضطرابات حادة في الجسد العالمي والأوروبي بالخصوص.. هذه الهزات العنيفة قد تؤذي إلى خلخلة كل ما أنجز من نظم تسيير حتى الآن، والتفكير في نظام آخر تفرضه الضرورة، غير المعمول به اليوم الذي أظهر فشله وإخفاقه في مسألة بسيطة هي التضامن بين الأوروبيين أنفسهم، لا أتحدث عن دول أخرى لم تدرك إلا متأخرة مخاطر الفيروس.. لا تضامن حتى على المستوى الإنساني.. كان على إيطاليا انتظار الصين الجريحة وكوبا، لتتمكن من الاستفادة من المساعدة والخبرة..

العالم يستدعي اليوم العقل لحل أكبر معضلة القرن التي جعلت الحلم الأوروبي والعالمي ينهار كليًا.. ويرسم أفقًا أسودًا يتساوى فيه العالم بلا استثناء، حتى المقاومة التي أبداها الرئيس الأمريكي باءت بالفشل مع دخول نيويورك في حلقة المأساة الأوروبية من حيث عدد الأموات والإصابات، وإصابته هو شخصيًا بالكوفيد 19 وإن بدا كما لو أنه سوبرمان يخرج سالمًا من كل المخاطر.

حلان يرتسمان اليوم في الأفق: إما تغيير النظم كليًا لأنها أثبتت فشلها وبدا كل ما كان من ادعاءات حضارية ووصول البشرية إلى النموذج الاستثنائي، مجرد خطابات متعاقبة فارغة من الداخل، ولا حل سوى التوجه أولا، نحو أنظمة جديدة يكون فيها الإنسان، كل الإنسان، وسعادته وراحته، هو الرهان الأسمى.. وهذا ليس أمرًا هينًا إذ يستوجب تصحيح مسارات الحداثة التي أصبحت وحشًا ضاريًا معاديًا للإنسان.. فبعد أن جاءت لإسعاده، سرقت منه أمنه وعوضته بالأسلحة الفتاكة وبالحروب المصلحية التي يموت فيها الإنسان مثل الحشرة، مقابل الذهب، وبراميل النفط، ومخزونات الأرض التي تعبت من انتهاك الإنسان المتوحش لحميميتها.. فقد منحت الإنسان كل سبل الحياة والسعادة.

ما يحدث اليوم من زلازل وعواصف وارتفاع منسوب البحار وذوبان ثلوج القطب الشمالي، وتسونامي، وفيضانات متكررة وعنيفة، كلها من أعمال الإنسان المتوحش، وليس الطبيعة.. الطبيعة لا تنتفض إلا لاستعادة توازنها المسروق.. فهل سيُستمع للعلماء والفنانين والمبدعين في عالم نسي جوهره وطفولته؟ وإما ثانيًا، الاستمرار في نهب خيرات الأمم لرفع اقتصادات الدول المتقدمة المتضررة من الفيروس، واستعادة توازناتها وربما كان ذلك هو الاحتمال الأقرب.. فقوى الهيمنة والتسلط لا ذاكرة لها إلا النهب والاستعباد، تاريخ البشرية مليء بالمآسي من هذا النوع وعلى رأسها العبودية.. تظل البشرية في جزئها الإنساني، الأكثر ضعفًا من حيث التأثير، تحلم بعالم آخر.. لأنه لا خيار لها.. يوتيوبيًا؟ نعم.. وإلا كيف سيكون العالم بلا يوتوبيات افتراضية لكنها ممكنة التحقق.

بناء عالم جميل وعادل ليس أمرًا مستحيلا، يجد فيه الإنسان ما يؤكد على إنسانيته لا على محوها وتبديدها بالارتكاز على مختلف الأسباب الضعيفة.. ربما كانت هذه مهمة الفنون التي ستخرج جريحة من هذه التجربة القاسية إذ ستفقد الكثير من أقطابها الذين صنعوا مجدها، ولكن أيضًا مسلحة بإنسانيتها العظيمة التي دافعت عنها باستماتة وبينت التجارب الحية أنه لا خيار غيرها.. ستكتب الدراسات التحليلية للظاهرة القاسية، وستؤلف الروايات الكبيرة، وستنجز التماثل والموسيقى والألوان، قد تكون في بدايتها بغلاف أسود يستعيد سنة المرارة، ولكن قدر الفن في النهاية، الانتصار للحياة وللإنسان.

نحتاج في عصرنا أن نحلم بعالم قد لا نعيشه لكن يجد فيه أحفادنا ما ناضل من أجله آباؤهم ولم يوفقوا دائمًا.. استمرار الجشع يعني بالضرورة الأوبئة القاتلة والحروب المدمرة كالحروب الباكتيرية، والجرثومية والنووية التي لم يعد اليوم ممكنًا إيقاف احتمالاتها في عالم بدأت مصالحه تتضارب ولم يعد هناك ما يجمعها بالخصوص بعد الأزمات الصحية التي بينت كل واحد يركض نحو مصلحته ولا تضامن أممي وإنساني.. هل سيترك رجال المال المنظومة المالية والاقتصادية تنهار كما في عشرينيات القرن الماضي؟ لا أعتقد حتى ولو كلفهم ذلك إرجاع العمال إلى مصانعهم ولو في كورونا فيروس أو شبيهه القادم، لأن الفيروسات لا تحافظ على صورة واحدة ولكنها تتجدد وتتحول من خليتها الأصلية؟ هل سيقبل العمال أن يموتوا ويعرضوا حيواتهم للمخاطر من أجل سماسرة المال والبنوك والرس المال الدامي؟ هل سيتخلى الفن عن حلمه الكبير باتجاه إنسانية أخرى، موازية أنشأتها عبر القرون من عنفوان هوميروس، ومنحوتات رافاييلو، ونوتات بيتوفن، فاغنر وباخ، وبيزي، وليتز، وحساسية فيرمر، وكسورات بيكاسو، وعالم دانتي وسخرية سيرفانتس، ووجودية المعري، وسحر ماركيز، واجتماعية محفوظ؟ هل سيتخلى الإنسان عن حقه في الوجود ويستسلم لفيروس مجهري.. نعتقد أن شرطية الحياة تفرض على الإنسان انخراطه في الدفاع عن المستقبل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الكاتب يعانى من مشاكل لا تخطئها حتى عين الأعمى
فول على طول -

سيدى الكاتب : وباء كوفيد وباء خطير وصعب وباغت العالم كله وهذا أمر صعب جدا ..وعند المحن فان كل دوله تسعى بالنجاه أولا ولا تفكر فى الأخرين وهذا مبدأ انسانى معروف ..وأنت تسوق لنا أن الصين وكوبا مثال للعطاء ؟؟؟..الصين و كوبا ليس لهم باع الا فى الاستبداد وكل المساوئ حتى مع شعوبهم كى تتوقع منهم خيرا ..والشحنات الصينيه الى ايطاليا كانت غير مطابقه للمواصفات الطبيه أصلا ولكن فقط تصطاد فى الماء العكر كما يقولون .اما كوبا مادورو فهى الأسوا فى التاريخ وشعب كوبا لا يجد رغيف الخبز بسبب الحكم الحالى مع أنها أغنى دوله بتروليه . انتهى - العالم الاوربى ولا الأمريكى لم ينهار ولكن هى أمنياتك أنت وأخرين مثلك لغرض معروف ...والعالم لن ولا ولم يتساوى أبدا ولا يستوى الذين يعملون أو يعلمون مع غير العاملين وغير العالمين ..انتهى - اذا كانت امريكا بها أعلى نسبة اصابات فهذا لا يقلل من امريكا وكفى شعوذات . الوباء صعب بكل المقايس ..انتهى - وما هو النظام الأمثل من وجهة نظركم ؟ هل تعتقد أن النظام الديكتاتورى الصينى مثلا هو الأمثل ؟ نعم سيدى الكاتب فالانسان الغربى وصل الى حضاره راقيه جدا وبه احترام للانسان وليس خطابات فارغه كما تدعى سيادتكم ..وكل المنجوزات التى تستخدمها أنت وبلدكم وغيركم من البلاد تعتبر انجاز غربى بالدرجه الأولى وحتى حمايتكم . يتبع

تابع ما قبلة
فول على طول -

ويقول الكاتب : فقوى الهيمنة والتسلط لا ذاكرة لها إلا النهب والاستعباد، تاريخ البشرية مليء بالمآسي من هذا النوع وعلى رأسها العبودية.. تظل البشرية في جزئها الإنساني، الأكثر ضعفًا من حيث التأثير،..انتهى الاقتباس . لا يا سيدى الكاتب ..النهب والاستعباد هى فى ظنك أنت ...لا أحد يستولى على بترولكم بالمجان بل يشترونه بأسعار السوق وكفى ادعاءات . انتهى - وما هو العدل الجميل من وجهة نظركم ؟ العدل هو القانون الذى يساوى بين البشر أما الغنى والفقر فالعدل يعتبر ظلم ..لابد أن يكون هناك أغنياء وهناك فقراء ..لا يستوى البشر فى العقل ولا فى العمل وهذا عين العدل ..انتهى - أكبر عدل أن تكتب بالصدق دون تحيز .