زيف الاقتصاد التركي لا يخدع العالم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يختلف العقلاء على أن اقتصاد تركيا يمر اليوم بأكثر مراحل كيانه حرجا وأشده تحديا وأخطره تراجعا نتيجة تخبط حزبه الحاكم، الذي يتأرجح بين تضارب مصالحه التوسعية ورعونة قيادته الاستفزازية.
عندما أطلق هذا الحزب رؤيته قبل عشرة أعوام وأطلق عليها رؤية تركيا 2023، حدد سلسلة من الأهداف، تضمنت زيادة الصادرات السنوية إلى 500 مليار دولار، وتخفيض نسبة البطالة من 11 إلى 5 في المائة، ورفع الدخل الفردي السنوي إلى 25 ألف دولار، وتعزيز قطاعات السياحة والمالية والصناعات الحربية والحديد والصلب، لتدخل تركيا نادي أقوى عشرة اقتصادات في العالم مع ناتج قومي يصل إلى 2.6 تريليون دولار.
واليوم، بعد عقد على إطلاق الرؤية التركية، تجمع تقارير المؤسسات الدولية كافة على قرب انهيار الاقتصاد التركي، الذي يواجه أسوأ انكماش سنوي يتعرض له في تاريخه الحديث، ليتجاوز 5 في المائة هذا العام، حيث انخفضت الصادرات التركية بنسبة 35.3 في المائة في الربع الثاني من هذا العام مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي، وفقدت العملة التركية منذ بداية العام الجاري نحو 25 في المائة من قيمتها، ما انعكس على معدلات التضخم لترتفع إلى نحو 12 في المائة خلال الشهر الماضي.
في الأسبوع الماضي، صدم تقرير وكالة التصنيف الائتماني "موديز" الأوساط التركية، مؤكدا أن الاقتصاد التركي تراجع أكثر من 25 عاما إلى الوراء، وأن محاولات الحكومة كافة لإخراج العملة التركية من دوامة الانهيار باءت بالفشل. وأضاف التقرير أن هناك احتمالا جديا لتدهور اقتصادي ومالي خطير خلال الفترة المقبلة نتيجة تخلف المصارف والشركات التركية عن سداد ديونها، وعدم تحمل خزانة الدولة لهذه الديون.
كما حذر صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي من أن الاقتصاد التركي يتجه هذا العام نحو تسجيل ثاني أسوأ ركود في عامين، إذ يتوقع أن يسجل انكماشا بنحو 5 في المائة بنهاية 2020، متزامنا مع ارتفاع معدل التضخم إلى 10.6 في المائة وزيادة البطالة إلى 14.3 في المائة، ما سيؤدي إلى تفاقم نسبة عبء الديون إلى 42 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021، وذلك نتيجة عجز الميزانية، ونزوح رأس المال الأجنبي، وبلوغ احتياط النقد الأجنبي أدنى مستوياته خلال الـ20 عاما الأخيرة.
واليوم، بعد أن بدأت المقاطعة السعودية الشعبية مراحل تطبيقها على المنتجات التركية من سلع وخدمات، فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد التركي موجة جديدة من فداحة الصدمات المؤلمة. وهذا ما حذرت منه الاحصائيات التركية الرسمية الصادرة خلال الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن حجم التبادل التجاري بين المملكة وتركيا سينخفض من 3.1 مليار دولار عام 2019 إلى أقل من 1.9 مليار دولار في العام الجاري. ووفقا لتقارير وزارة التجارة التركية تراجعت صادرات تركيا إلى المملكة في الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي، هذا في الوقت الذي كانت الرؤية التركية تعقد الآمال على رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
ولعل انخفاض عدد السائحين السعوديين المتوقع إلى تركيا بمقدار النصف عما كان عليه في الأعوام الماضية، إضافة إلى توقف عدد المشاريع المشتركة بين البلدين وتراجعها من نحو 159 مشروعا إلى أقل من 62 مشروعا عام 2021، سيكون له أبلغ الأثر في الاقتصاد التركي، خاصة أن قطاع الأعمال السعودي يعد سابقاً من أكثر قطاعات الدول الخليجية والعربية استثمارا وتملكا للعقارات والشركات في تركيا. ومن المتوقع أن تؤدي المقاطعة إلى تراجع عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا من 800 شركة إلى أقل من 200 شركة فقط خلال العام المقبل نتيجة خروج المستثمرين السعوديين من تركيا، خاصة في المجال العقاري الذي فاق 1.6 مليار دولار في العام الماضي، ويمثل المركز الخامس عالميا، لينخفض بنسبة 65 في المائة خلال العام الجاري وأكثر من 72 في المائة عام 2021.
ومن مآثر تخبط تركيا أيضا، أنها في الوقت الذي كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وتتبادل السفراء معها في آذار (مارس) عام 1949، إلا أن النظام التركي لم يكف عن المتاجرة العلنية بالقضية الفلسطينية ودغدغة مشاعرها، حيث كان آخرها تحذير تركيا بسحب سفيرها من دولة الإمارات إذا استمرت في تنمية علاقتها مع إسرائيل.
ورغم إشاعة تركيا للأفكار الوهمية بأنها الداعم الأساسي للقضية الفلسطينية، يأتي تقرير الـ "أونروا" هذا العام ليسقط زيف الأقنعة التركية، فمن بين أهم الدول الداعمة للشعب الفلسطيني، لا يظهر اسم تركيا ولا قطر ولا إيران على الإطلاق. في المقابل، يتبوأ كل من المملكة ودولة الإمارات المراتب الأولى بين أكبر عشر دول داعمة ماليا للسلطة الفلسطينية منذ قيامها عام 1994، وكان آخرها مساهمات إماراتية بأكثر من 828 مليون دولار خلال الأعوام السبعة الماضية لتمويل مختلف القطاعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وطبقا لتقارير مركز التجارة الدولية، تعد إسرائيل واحدة من أهم خمس أسواق للمنتجات التركية عام 2019، حيث بلغ حجم التجارة الإسرائيلية التركية 6.2 مليار دولار سنويا لتفوز الصادرات الكيماوية الإسرائيلية إلى تركيا بحصة الأسد وبنسبة تقارب 50 في المائة، تليها المواد البلاستيكية بنسبة 12 في المائة والوقود بنسبة 9 في المائة بحسب أرقام معهد التصدير الإسرائيلي.
كما أصبحت صادرات تركيا إلى إسرائيل أكثر تنوعا، حيث عدت المركبات أهمها بنسبة 18 في المائة، تليها منتجات الحديد والصلب بنسبة 16 في المائة، ثم المعدات والأسمنت بنسبة 11 في المائة، والمنتجات البلاستيكية بنسبة 7 في المائة. وفي قطاع الطيران تقوم الشركة التركية بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعيا إلى إسرائيل، تنقل خلالها بين البلدين أكثر من مليون مسافر سنويا.
وعلى الصعيد العسكري، تعد تركيا ثاني دولة بعد أمريكا تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، حيث تقوم تركيا بتحديث طائرات فانتوم الإسرائيلية بتكلفة 900 مليون دولار، وتقوم إسرائيل بترقية 170 من الدبابات التركية مقابل 500 مليون دولار، مع الاتفاق بين البلدين على تبادل الطيارين العسكريين ثماني مرات في العام، لغة الأرقام تكشف زيف المواقف التركية التي لا تخدع العالم بمناوراتها السياسية.