الكذاب جذاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا أكاد أسمع كلمة أو جملة (أنا حر، وأنا حرة) حتى أمتلئ يقيناً بأن قائلها ارتكب خطيئة أو يعتزم ارتكابها، فالحرية عندنا تعني: حرية الخطأ، وحرية التجاوز، وحرية السب والقذف والرفض المنفلت واللامسؤول والقتل والانحراف.
الحرية عندنا تعني خبط عشواء الليل، والتحلل من كل القيم حتى صارت الحرية كلمة سيئة السمعة، وتسمع من الأحرار المتجاوزين دوماً حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: &" إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر&"، وهم يتناسون عمداً الشرطين اللذين وضعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون ذلك من أعظم الجهاد وهما أن تكون الكلمة كلمة حق وأن يكون السلطان جائراً، وإذا انتفى الشرطان وخصوصاً الأول فإن هذا لا يكون جهاداً على الإطلاق، بل هو إلباس الباطل ثوب الحق وتحميل النص الديني ما لا يحتمل والتقوّل على الله ورسوله.
عندما نزعنا المسؤولية من الحرية صارت حريتنا كحرية البهائم تفعل ما تريد في أي وقت تريد، ولو أدى ذلك إلى التدمير والتخريب، وسلب حرية هؤلاء واجب شرعي لحماية المجتمع من شرورهم، وكل الفلاسفة والحكماء وأذكر منهم جان بول سارتر قالوا: إن الحرية مسؤولية بل أكاد أزعم أنها الأمانة التي أرادها الله تعالى في قوله: &"إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً&"، وإذا استعرضت الإعلام العربي عموماً ومواقع التفاصيل خصوصاً، فسترى كيف نزعت المسؤولية من الحرية، كما سترى أننا لم نعد نفرق بين الأقوال والكتابات في غرف نومنا، والكلام والكتابة للناس عبر الإعلام والمواقع، وكيف صرنا نتحدث بجهل وعزة بالإثم ونكذب لمجرد جذب المتابعين واكتساب نجومية مزيفة، وأصبحنا نطبق مقولة لا مسؤولة هي: أن الكذاب جذاب والإثارة ( بياعة) وأن الموضوعية والصدق كاسدان، فالمتلقون صاروا أكثر جهلاً وغفلة من الإعلاميين والواقعيين، لأن كلاً منهم الآن لديه صفحته أو قناته أو مدونته التي يريد لها متابعين لذلك لا يصدق ولا يلتزم ولا يبالي بقيم أو فضائل، وعندما تلجأ جهات في أي مجتمع لحجب هذا العبث يقال إنه اعتداء على حرية التعبير، بينما أراه أعظم حماية لحرية التعبير المسؤولة، وفرق شاسع بين حرية التعبير وحرية التحبير، وطالما ظلت الحرية سباً وقذفاً وإثارة وإهداراً للقيم، فسنظل على قناعتنا بأن أعذب قولنا أكذبه، وأن الكذَّاب جذَّاب!