أموال النهضة.. الصندوق الأسود
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
السِّجَال التونسي الذي اندلع في الأيام الماضية، على خلفية تقرير صحفي سلط الضوء على ثروة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، ورئيس البرلمان، تحول إلى جدل سياسي ينفتح على قضايا متشعبة مالية وسياسية وإقليمية.
وعلى ذلك كان قرار حركة النهضة مقاضاة جريدة &"الأنوار&"، متوقَّعاً، ومن صميم حقها القانوني والسياسي، لكن لجوء الحركة إلى مقاضاة صحيفة الأنوار، بالتوازي مع تأكيد رئيس تحرير الصحيفة أن جريدته مستعدة للذهاب إلى القضاء ومواجهة أي تهمة بالحجج والوثائق، لا ينفي وجود معطيات ثابتة متعلقة بالقضية.
المعطى الأول هو أن احتكام الطرفين إلى القضاء، يؤشر على وجود مناخ سياسي موسوم بالحرية، والمعطى الثاني هو أن حركة النهضة ارتبكت من إثارة الموضوع، بصرف النظر عن صحة حجم ثروة الغنوشي من عدمها، والارتباك النهضوي واضح في تصريحات الكثير من قيادات الحركة كما في بيانها الغاضب، وكما في هجوم الكتائب الإلكترونية النهضوية على نجم الدين العكاري رئيس تحرير الأنوار.
أما المعطى الثالث، ففيه إحالة على أن الملف المالي لحركة النهضة (سواء في ما يتعلق بمصادر التمويل أو ما يتصل بكيفية إدارة الموارد المالية) يمثل ملفاً محرجاً ومسكوتاً عنه، وهو ملف في عهدة أقلية صغيرة من قيادات الحركة.
وكان تقرير وزارة العدل الأمريكية، الذي نشر في مايو 2019، قد أشار إلى عقود أبرمتها حركة النهضة مع شركات ضغط أمريكية بمبالغ مالية ضخمة، قد أكد هذا المعطى وطرح أسئلة مدرارة عن الموارد المالية للحركة ومصادر تمويلها.
بهذا المعنى تصبح مسألة ثروة الغنوشي غير ذات أهمية بالنسبة للمشغولين بالشأن العام في تونس ومحيطها، وبالنسبة للنهضة نفسها، التي تعاملت مع الخبر من زاوية تأثيره على وجودها السياسي في المستقبل، في سياق التغيرات الإقليمية العاصفة التي تجري في ليبيا وفي مصر وتركيا، وفي ظل عودة الحديث في أقطار كثيرة عن تصنيف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابيّاً، وفي واقع عزلة الحركة في تونس مع ارتفاع نسق إجراءات سحب الثقة من الغنوشي في البرلمان.
أما غالبية الفاعلين السياسيين في تونس فإنهم يقرؤون الحدث من زاوية ما يفجره من قضايا ذات صلة من قبيل: ملفات الجمعيات الخيرية، والمال السياسي، والإرهاب، والتهريب، وشبكات التسفير وغيرها من القضايا.
ذهاب النهضة إلى مقاضاة الصحيفة، وثقة الأخيرة في مصادرها وإبداء استعدادها لتقديم الأدلة، هما عنصران يؤكدان أهمية وجود قضاء مستقل متحرر من الولاءات والتعليمات.