القرار الاقتصادي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جاءت "الرؤية" لتجعل القرار الاقتصادي في مركز الحدث بعد أن كانت الطبيعة المالية للاقتصاد تملأ استحقاقاتها ونتائجها على القرار الاقتصادي. المقصود بالطبيعة المالية الاعتماد شبه الكلي على مصادر النفط لتمويل كل أوجه المصروفات طبقا لمعادلة توزيعية تتغير حسب مستوى الدخل والأولويات والتوقعات، يقابل ذلك الطابع الاقتصادي الذي يسوده الإنتاج والتصدير ويتم تمويله غالبا من الضرائب.
واقعيا لا بد أن يكون هناك مزيج منهما يحكمه توافر المال وتفعيل السياسات والتجاذب والتداخل. في الاقتصاد النفطي التحول صعب لأن قوة التعود لا يستهان بها مؤسساتيا وفرديا. رحلة التحول لا بد أن تبدأ من القرار القيادي وهي رحلة طويلة لأنها في ميدان التصرفات الجماعية والفردية. تنبهت القيادة في المملكة لضرورة التحديث، لكن التعبير الإداري جاء لاحقا. فبدأت بتأسيس المجلس الاقتصادي الأعلى الذي جاء كمحاولة لتحريك البوصلة، لكنه لأسباب إدارية لم يتمكن من السيطرة على السياسات الاقتصادية رغم موجة التفاؤل التي أنجبها. لكنه كان مفيدا أيضا، لأنه أول مرة تكون هناك محاولة مؤسساتية لتنسيق السياسات والتفكير الجماعي للسياسات والتحديات بعد تأسيس وزارة الاقتصاد والتخطيط، التي كان أبرز مهامها الخطط الخمسية وأيضا كان نذيرا بما تلاه من خطوات أكثر قوة وفاعلية رأسيا وأفقيا. إلى أن صدر المرسوم الملكي بتأسيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إيذانا بمرحلة جديدة من تأطير السياسات وتفعيل التنسيق والقياس.
لعل من أهم الخطوات الذي سعى لها التكوين الإداري الجديد مركزية القرار الاقتصادي فكريا وسياسيا، وبالتالي اختصار دور الوزارات إلى جهات تنفيذية بعد أن كانت لها أدوار غير مقننة في السياسات. التخطيط عبرت عنه الخطط الخمسية حل محله برامج "الرؤية" الأكثر دقة وتماسكا في التفكير والتحليل وبرمجة المهام والأدوار. فمثلا رأسيا جاء تأطير تسخير الأموال للاستثمارات عن طريق تأسيس بنك التنمية الوطني وتفعيل وتوسيع دور صندوق الاستثمارات العامة. وأفقيا جاء بتوسيع دائرة مشاركة المرأة والاهتمام بالسياحة والثقافة والمحتوى المحلي.
في ظل هذا التطور المؤثر بقيت وزارة التخطيط والاقتصاد في حالة شبه معلقة لأن مركزها في السلم الإداري يماثل الجهات التنفيذية الأخرى، بينما دورها الفكري والتخطيطي انتقل إلى دائرة أعلى في القرار. اكتمال المنظومة يتطلب إما تعميق الدور الفكري والتحليلي لتكون بمنزلة مركز فكري عام يهتم أساسا بقضايا التنمية والاقتصاد أو ترتقي في السلم الإداري عن الجهات التنفيذية لأن دور المخطط مختلف عن دور المنفذ. لكن ربما هذه مرحلة بسيطة في ظل ما قامت به المملكة من إصلاح اقتصادي شامل وعميق في ظل "الرؤية" وبرامجها المتنوعة بهدف تعميق وتنويع الاقتصاد تحت قيادة ولي العهد. أيضا هناك نجاحات حين يكون القطاع أكثر وضوحا واستقلالا مثل قطاع الطاقة، الذي كان واضحا في إصلاح منظومة شركة الكهرباء أو السعي للطاقة المتجددة. حدث توسع طموح ومؤثر ولعل دور الوزارة كمركز فكري يعنى بالتعميق على حساب التوسع ورصد التكامل والقياس الموضوعي لسلاسل القيمة المضافة والإمداد، وكذلك ترابط هذه السلاسل مع النواحي البشرية الحاسمة في المرحلة المقبلة، إذ إن هذه نواح تجد مساحتها في جهاز فكري وتحليلي مختلف عن التعامل مع الصورة الكبيرة للتحديات والقرارات الاستراتيجية التي قامت بها الجهات واللجان العليا. أنجزت الأجهزة العامة الأهم والأصعب بالتحول في طبيعة القرار الكلي، غالبا الجزيئات تتطلب مستوى من الدقة مختلفا عن السياسات الكلية.