جريدة الجرائد

السّلام.. والعقل الحضاري

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

استأثر موضوع غزّة باهتمام دولي رسمي وشعبي، حتّى إنّ الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت منه مادة صاخبة طغت على أخبار الوباء التّي كانت أساس انشغالات العالم.. فهل تَصَدُّر هذه القضية الإعلام اليوم راجع إلى رغبة الإعلام نفسه في تنويع مادّته الإخبارية التّي طالها التكرار، أو أنّه بصدد الانتقال من مأساة وبائية إلى مأساة حربية عدائية تتمثّل في موت المدنيين في قطاع غزّة؟

السؤالان معاً يتّفقان على أنّ الإنسانية اليوم تتناوبها مأساة بفعلين، فعل طبيعي ليس للبشر مسؤولية فيه، وفعل من صُنع الإنسان يتحمّل فيه البشر المسؤولية كاملة.. فهل في مقدور الإنسانية أن تُطوّق المأساة الأولى ولا تدعها تهدر الأرواح كما حدث؟ وهل كانت قادرة أيضاً أن تُبطل أيّ وجود للثّانية حتّى يعيش البشر جميعهم في سلام ومحبة؟

أجزم بأنّها كانت قادرة على التغلّب على المأساتين.. فما أعجب قدرتها على تطويع العقل وإنفاذ قدراته في إيجاد التكنولوجيا والمعجزات، وفشلها الذّريع في إنفاذ الأمن الإنساني بما يجعل رفاه الإنسان صفة مشتركة.

سبق للفيلسوف الأمريكي هنري برغسون أن تحدث عن جهل الإنسان بما يجعله سعيداً، لمّا جعل من الحرب قوّة للاستهلاك والغلبة كغيرها من القوى المادية الأخرى، ولم يعِ هذا الإنسان أن العقل الذي يبدع هذه القوى &"التشييئية&" يتنافى مع دوره الأسمى في الوجود بترسيخ روح الأمن والتسامح وحلّ الأزمات عن طريق الحوار السياسي.

إن ميل العقل إلى الحروب كحل للخلافات، يُفقده الفضيلة الحضارية ويُقرّبه من العقل الهمجي، ما يحدث في غزّة اليوم، يؤكد على أنّ العالم لم يحسم بعد علاقته بالعقل الهمجي، وأنّ الحوار السياسي العادل في اتّجاه طرح توازنات وحلول جذرية لم يرَ النّور بعد، وما نشهده الآن، إصدار مواقف سياسية تنتمي إلى الاستهلاك المادي بالمعنى البرغسوني، فتصريح جو بايدن بأن إسرائيل تدافع عن نفسها هو مجرّد موقف سياسي تقليدي لا صلة له بمعنى الحوار الصادر عن العقل الحضاري.

ثم إن الدّفاع عن النّفس لا يعني اغتصاب الحياة من آخرين مدنيين ليس لهم أي ذنب فيما حدث، فهذا التّصريح يشجّع على إكساب ردود الأفعال المتطرّفة شرعية مغلوطة، لها أنصارها ومريدوها، لأنّها ستتوالد من هذا التبرير المتهالك المسمّى &"الدّفاع عن النّفس&".

إنّ الدّعوة إلى وقف إطلاق النّار في غزّة، وإلى الحوار بالمعنى الذي يريده &"بايدن&" وآخرون لن يحلّ المشكل أبداً، لأن القتل سيُعاد مرّات ما دامت الهمجية تسكن العقل الإسرائيلي وتوجّهه، لذل فقد حان الحين للانتصار للعقل الحضاري عبر الجهر بالحقيقة أوّلاً وعدم مجاملة إسرائيل، التي قال عنها نعوم تشومسكي: &" دمويتها هي أصل الإرهاب الحديث في العالم&".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف