إحياء الاتفاق النووي القريب يفرض نفسه على أمن حلفاء أميركا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لافت جداً أن يتزامن قرب وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين وحركة "حماس" في اليوم الذي تزاحمت فيه الأنباء الواردة من جهات أوروبية وإيرانية مشاركة في المفاوضات الدائرة في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي. أكثر من ذلك، صدرت تصريحات عن الرئيس الإيراني حسن روحاني يؤكد فيها أنه تم الاتفاق على رفع العقوبات الأميركية المتصلة بالاتفاق النووي، وأن بعض العقبات لا تزال قائمة، غير أنها لن تحول دون التوصل الى اتفاق. ويمكن إضافة الأنباء عن الانتهاء من صياغة النص النهائي للاتفاق على إعادة إحياء الاتفاق النووي للعام 2015، وأنه تحقق خلال الجولة الرابعة من المفاوضات التي بدأت في السابع من أيار (مايو) الجاري، وانتهت يوم أمس الأول في التاسع عشر من أيار (مايو)، وقد أجمع المشاركون فيها على أنها كانت الأطول، والأهم.
فحسب رئيس الوفد الإيراني عباس عراقجي أن "الجولة الرابعة حققت تقدماً مهماً، ولكن لا تزال هناك قضايا عالقة يتعين اتخاذ قرارات بشأنها في العواصم". في المقابل، يتمسك مندوب روسيا السفير ميخائيل أوليانوف بموقف حذر فيقول في تصريح له قبيل انتهاء الجولة الرابعة إن "تقدماً حقيقياً حول النووي تحقق لكن لم أقل أن هناك اختراقاً". لكن جميع الوفود، لا سيما الأوروبية التي تلعب دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة في المفاوضات غير المباشرة، تتفق على القول إن إيران والولايات المتحدة أصبحتا على مشارف الاتفاق الذي قد يحصل خلال الجولة الخامسة المقررة من حيث المبدأ في منتصف الأسبوع المقبل. وهذا ما يؤشر إليه البيان الثلاثي الصادر يوم الأربعاء عن وفود فرنسا، ألمانيا وبريطانيا الى المفاوضات، حيث جاء في ما جاء فيه ما يلي: "على صعيدي النووي والعقوبات بدأنا نرى أن أطر ما قد يكون عليه الاتفاق النهائي ترتسم. والمعطيات مختلفة عما كانت عليه لدى مغادرتنا في المرة السابقة (الجولة الثالثة)".
اذاً نحن على أبواب عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي بصيغة العام 2015، من دون تعديلات تماماً كما أصر الإيرانيون، وبعكس ما طالب الإسرائيليون الذين حاولوا مراراً وتكراراً ثني إدارة الرئيس جو بايدن عن العودة الى الاتفاق، وترحيل الملفات الساخنة الأخرى الى مرحلة أخرى قد لا تأتي. وقد كانت آخر المحاولات الفاشلة التي قام بها الإسرائيليون عندما زار وفد أمني إسرائيلي رفيع واشنطن في نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي، قاده كل من مستشار الأمن القومي مئير بن شبات، ورئيس جهاز "الموساد " يوسي كوهين الذي قابل الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، وسمع منه كلاماً واضحاً يفيد بأن أميركا تنوي العودة الى الاتفاق النووي كما هو بالرغم من معارضة إسرائيل الشديدة لها، ومعها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وقد فهم الإسرائيليون أنه لم يعد هناك شيء يمكن أن يفعلوه لتغيير الموقف الأميركي، فاكتفوا بمواقف عدة أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤكد فيها أن إسرائيل منفردة ستواصل عملها في مواجهة التهديدات الإيرانية، وفي منع إيران من الاستحواذ على سلاح نووي.
من علامات تحقق تقدم كبير في المفاوضات أيضاً أن إيران التي كانت تهدد بأنها بنهاية الاتفاق التقني بينها وبين "الوكالة الدولية للطاقة النووية "لمدة ثلاثة اشهر، وهو المعقود في الحادي والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، ستمدده حكماً بما يتيح لمفتشي الوكالة مواصلة عملهم الميداني في إيران، كما أنها ستوفر بنهاية المدة جميع بيانات كاميرات المراقبة المركبة في المنشآت النووية وغيرها اذا ما انتهت المفاوضات برفع العقوبات الأميركية.
اذاً نحن أمام تطور كبير وجوهري، سوف يتيح لإيران لحظة إعادة إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات المتصلة به، أن تطلق برنامج العودة الى أسواق النفط العالمية بحرية تامة، فضلاً عن استعادة أصول مالية تقدر بما بين 60 و70 مليار دولار محتجزة في عدة دول انصاعت للعقوبات الأميركية التي أصدرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بدءاً من العام 2018 بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ومن المؤكد أن يزيد هذا التطور من الضغوط العملية على إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً أن التجربة السابقة خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع إيران تفيد بأن الأخيرة استغلت تعزيز مواردها المالية لـ"الاستثمار" في برنامج الصواريخ الباليستية، وفي تمويل العديد من الميليشيات التابعة لها في الإقليم من العراق، الى سوريا ولبنان، وصولاً الى غزة واليمن. ويعتبر حلفاء الولايات المتحدة أنه مع عودة إدارة بايدن بهذه الطريقة الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات التي أثرت كثيراً في الاقتصاد الإيراني، ستتكرر التجربة السابقة على حساب أمن الدول الحليفة في الشرق الأوسط واستقرارها.
استنتاجاً، المنطقة أمام تحولات كبيرة في الأسبوعين المقبلين، سيفرضها التغيير الجذري لمقاربة إدارة الرئيس بادين لدور إيران فيها. وهذا يفترض تقييماً جديداً لواقع جديد يرتسم أقله لمدة أربع سنوات قادمة.