تونس.. الفساد أقوى من الدولة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مثَّلت إقالة &"عماد بوخريص&" رئيس هيئة مكافحة الفساد في تونس، حلقة جديدة في مسلسل الصراع السياسي بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، وقدمت دليلاً على أن مكافحة الفساد تحوَّلت من أولوية في سياسة الدولة إلى مجال استقطاب بين جهات سياسية كثيرة.
إقالة عماد بوخريص لا تمثل سوى هامش في متن القضية، التي هي أن الفساد يكلف البلاد ما يناهز 3 مليارات دولار سنوياً ويؤدي بالاقتصاد التونسي إلى خسارة نقطتين من النمو سنوياً، ومتن القضية أيضاً هو أن شعار محاربة الفساد لم يغبْ يوماً عن شعارات السّاسة التونسيين وعن حملاتهم الانتخابية.
غير أن حصاد البيدر كان دون حسابات الحقل، فكان أن استشرى الفساد ومشتقاته من تهريب وتهرب ضريبي وتبييض أموال وصفقات عمومية، وكلها مظاهر تشير إلى تلبس السياسي بالاقتصادي، ما أوحى بوجود زواج سري بين أطراف في السلطة ومافيات الفساد في البلاد.
إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد، ذكّرت التونسيين بعمق أزمتهم الاقتصادية، وهي أزمة كان استفحالها عائداً في جزء كبير منه إلى كلفة الفساد على الاقتصاد أولاً، وثانياً إلى الارتعاش الرسمي في محاربة الظاهرة.
لكن الأمر في حقيقته سياسي بالدرجة الأولى، ذلك أن الأحزاب التي هيمنت على المشهد السياسي منذ عام 2011 فتحت الباب أمام التمويل المشبوه والمال السياسي الفاسد والجمعيات التي كانت تتسرع الوصول إلى السلطة، وتأبيد بقائها في الحكم، لكنها كانت تقضم من أعمدة اقتصاد البلاد.
لقد طرحت إقالة عماد بوخريص أسئلة عن سبل مكافحة الفساد، وجدوى إنشاء هيئة تتصدَّى للظاهرة، والحال أن مكافحة الفساد أولوية وطنية تتولاها الدولة بكل مؤسساتها وهياكلها الدائمة، وما حدث طيلة سنوات مع تجربة هيئة مكافحة الفساد، كان قرينة على أن اختزال مكافحة الفساد في هيئة واحدة، يضعها في قلب التنازع السياسي، ويحدُّ من قدراتها وفعاليتها.
المعركة على الفساد قضيَّة متشعبة تحيل على الأزمة الاقتصادية الحادة، وعلى الهدر المالي والتنموي، وعلى المشهد السياسي الموسوم بالتعفن والابتزاز.
ولعل الجدل الذي أثارته إقالة بوخريص، وتباين الآراء الاقتصادية والقانونية والسياسية حول المسألة دليل على ذلك، وهو ما يشير إلى أن المدخل الحقيقي لمحاربة الفساد في تونس، يبدأ من إبعاد السياسيين، الذين يحمون الفساد ويحتمون به.
الوقائع الراهنة بيَّنت أن الفساد في تونس إما أنه أقوى من الدولة، أو أنه من الدولة، ولذلك وجب تغيير طرق المحاربة والتصويب على المعاقل السياسية للفساد.