الملف الأبرز في صراع الانتخابات الإيرانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
انتهت الانتخابات الرئاسية الإيرانية بفوز إبراهيم رئيسي، لكن بغض النظر عن الفائز فإن حديثنا ينصب هنا حول الملف الأبرز الذي تصارع حوله المرشحون للرئاسة وهو &"ملف مكافحة غسيل الأموال&".
حيث قام مرشحو من يطلق عليهم &"التيار المعتدل&" بإلقاء اللوم على زملائهم من &"التيار المتشدد&" متهمين إياهم بعرقلة التصديق على مشاريع القوانين ذات الصلة بمكافحة غسيل الأموال، وبالتالي إعاقة تطبيع علاقات إيران المصرفية والتجارية مع العالم الخارجي، ما أدى إلى استمرار معاناة الشعب اقتصادياً ومعيشياً
والمعروف أن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى قد أسست عام 1989 هيئة حكومية دولية تحت اسم &"مجموعة العمل المالي&"، على أن يكون مقرها باريس ومهمتها وضع أنظمة ملزمة لمكافحة غسيل الأموال.
وفي عام 2001 تم توسيع مهامها لتشمل وضع قواعد لمكافحة تمويل الإرهاب. علماً بأن مجرد إدراج أي دولة في القائمة السوداء للمجموعة (تضم حالياً دولتين فقط هما إيران وكوريا الشمالية) يعني منع الدول الأخرى من التعامل معها.
والمعروف أيضاً، أنه بعد الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى سنة 2015، وضعت المجموعة خطة عمل لإيران من 40 توصية، ومنها التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة والمعروفة باتفاقية باليرمو، والاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، بل منحتها مهلة محددة لاعتماد تلك المعايير والتوصيات بحيث تطهّر نظامها المصرفي، كي يكون مؤهّلاً للاندماج في النظام المالي الدولي.
غير أن ما حدث هو أن طهران حاولت كسب الوقت، لأن الاستجابة لتلك التوصيات معناها إصابة إحدى ركائز الجمهورية الخمينية في مقتل، ونعني بتلك الركيزة تصدير الثورة وزعزعة الاستقرار في المنطقة عبر تمويل الميليشيات الإرهابية بالمال القذر.
وهكذا بدلاً من التصديق على ما هو مطلوب منها، اشتبك &"المتشددون&" مع &"الإصلاحيين&" في سجال عقيم إلى أن وضعت إدارة روحاني تشريعات ورفعتها إلى البرلمان للتصديق.
لكن البرلمان رفعها إلى &"مجلس صيانة الدستور&"، فرفضها الأخير وأحالها في سبتمبر 2018 إلى &"مجلس تشخيص مصلحة النظام&" الذي لم يبت في الأمر، في عملية تسويف ومماطلة فاقعة من أجل كسب الوقت كما قلنا، وإنْ بدا أن السبب هو تباين المصالح الحزبية.
في الحملات التي سبقت الانتخابات الرئاسية، لوحظ عودة الموضوع إلى الواجهة، حيث راح &"المعتدلون&" يدغدغون عواطف الشارع بالقول إن الأوضاع المعيشية الصعبة في البلاد، ما كانت لتصل إلى المستوى الراهن من التدهور، لولا المحافظين ورموز التيار المتشدد من أعضاء &"مجلس تشخيص مصلحة النظام&" الذين رفضوا التصديق على ما تمّ تحويله إليهم من تشريعات.
أما &"المتشددون&" فقد راهنوا على كسب الجمهور المؤدلج الواقع تحت سطوة الشعارات والخرافات والأساطير الطائفية بقولهم إنهم تماهوا، في مواقفهم، مع مواقف المرشد الأعلى المعارضة لـ&"الاستكبار العالمي&". بل راح البعض منهم إلى حد مصارحة جمهوره بأن الالتزام بتوصيات مجموعة العمل المالي، معناه تكبيل يد الجمهورية الإسلامية لجهة توفير الأموال لوكلائها وأتباعها في الدول العربية.
والحقيقة أن النظام الإيراني بمختلف رموزه وأجنحته، لا يريد أن يلتزم أصلاً بأي شيء يؤدي إلى فقدانه الأساليب التي ابتدعها للتحايل على العقوبات الأمريكية والدولية.
وبمعنى آخر، فإنه حريص على استمرارية الوضع الراهن المتمثل في بيع النفط لبعض الدول من خلال السوق السوداء، والاتجار بأسلوب المقايضة مع دول مثل الصين وكوبا وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا، أو مع أنظمة تابعة في لبنان وسوريا والعراق، ناهيك عن تسوية المعاملات المالية من خلال مكاتب الصرافة، بدلاً من المصارف والمؤسسات المالية. أما التبرير الدائم لذلك فهو الحفاظ على السيادة الاقتصادية والمالية للبلاد.
يتوقع بعض المراقبين أن يؤدّي نجاح مفاوضات فيينا بين إيران والقوى الكبرى إلى سرعة استجابة طهران لتوصيات مجموعة العمل المالي، لأن ذلك سيفتح لها الباب للحصول على قرض بقيمة خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، كانت قد طلبته سابقاً من أجل برنامج إنساني واقتصادي للتعافي من تداعيات جائحة &"كورونا&"، وأعاقته إدارة ترامب.
لكن البعض الآخر من المراقبين يؤكد أنه حتى في حالة رفع العقوبات عن طهران، فإن تلبيتها لشروط العودة سريعاً إلى النظام المالي العالمي، لن يكون سهلاً من قبل نظام تعود على الخديعة.