الغناء في مواجهة التطرف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مطلع يوليو الجاري أحيا ناشطون وإعلاميون ومثقفون يمنيون ما أسموه &"يوم الأغنية اليمنية&" ردّاً على إجراءات متطرفة للحد من الغناء في المناسبات الاجتماعية اتَّخذها الحوثيون، وتلقفت بدورها وزارة الإعلام والثقافة والسياحة حالة الاحتفاء الشعبي تلك بهذا الموروث اليمني الموغل في القدم، لتعلن عن اعتماد الأول من يوليو من كل عام، يوماً للأغنية اليمنية.
الغناء في اليمن متعدد المدارس، وله علاقة مطّردة بتفاصيل الحياة اليومية، حيث يرافق اليمنيين في كل مكان ويرددونه بموسيقى أو من دون موسيقى، ولكنه يظل ملازماً لهم بأشكاله وصنوفه المختلفة.
ولم تتمكن الحرب من إخماد ذلك الصوت في اليمن، لكنها تسببت في تغيير أغراضه إلى حد ما، حيث أصبح كل طرف يوظف الأغنية أو &"الزامل&" وأشكال وصنوف الغناء الأخرى لخدمة أهدافه السياسية، وتحريك مشاعر وعواطف وأشجان الناس من خلالها.
والصراع بين فن الغناء والتطرف قديم جداً في تاريخ التراث العربي، وما يزال هذا الصراع محتدماً حتى اليوم، فأول ضحايا الجماعات الأيديولوجية الأصولية عادة ما يكون الغناء، الذي يتم تحريمه ومنعه وتجريمه، كما فعلت &"طالبان&" في أفغانستان وكما فعلت &"داعش&" في العراق وسوريا، ويعطي هذا الفن الإنساني الشفيف انطباعاً أوليّاً بأنه على الرغم من سلميته ورقته، يظل هدفاً للتطرف الفكري والعقائدي، ولكنه بقدر ما هو هدف يبدو سهلاً للوهلة الأولى إلا أنه يخرج منتصراً في نهاية المطاف من مواجهته غير المتكافئة مع أدوات العنف والتطرف.
وتنظر الجماعات الأصولية عادة للغناء والموسيقى كخصم ينازعها في مساحة التنافس الاجتماعي، ويحد من فاعلية خطابها المتطرف الذي يسعى لاقتناص الشباب والزج بهم في أتون مشاريع عنيفة، عبر سلسلة من أدوات الشحن النفسي والعاطفي والفكري المعروفة التي تنتهي بالشباب كقنابل بشريَّة.
وبالقدر الذي يجعل الغناء والموسيقى وبقية فنون الحياة أكثر جمالاً وجاذبية في عيون الشباب، بقدر ما تترك مساحة الخواء العاطفي بعيداً عن أجواء الموروثات الفنية مساحة خصبة تتسلل منها الأفكار والجماعات المتطرفة إلى عقول الناس لصرفهم عن الحياة، باعتبارها مجرد بوابة نحو التضحية والموت من أجل أهداف تلك الجماعات وغاياتها الشريرة.
وعلى الرغم من الحرب التي تعرضت لها منذ قرون طويلة الموسيقى والأغنية العربية، إلا أنها لا تزال مستمرة حتى اليوم، فبينما غابت عن ذاكرة التاريخ أسماء المتطرفين الذين قادوا حروبهم ضد الغناء والفن الجمال، خلد التاريخ أسماء إبراهيم الموصلي، وشارية، وإبراهيم بن المهدي وزرياب.