جريدة الجرائد

خطاب لبناني خارج التاريخ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الزعامات السياسية التقليدية في لبنان تدرك مدى انكشاف الأوراق، فلم تعد تنشدُ حلولاً إنقاذية من العرب، عبر هبات كانت تعطى بسخاء وتذهب في جيوب منظومة سياسية فاسدة، تمسك بالاقتصاد الهش، في حين يسعى رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى مناشدة العالم، والنداء يخص بعض العرب تحديداً لإنقاذ اللبنانيين، ولأنه ليس من طبقة السياسيين التي تحكم منذ اتفاق الطائف وبنوده، فإننا نراه يعيد ترديد شعارات احترقت منذ زمان ويذكّر بأدوار للبنان تجاوزتها أوضاع العرب وأنماط تفكيرهم منذ عقود.

هو خطاب يائسين غارقين في أزمات، يبدو أنه لا يدرك أنه لا حلول دون إصلاح منظومات التفاهمات السياسية، باتجاه إعلاء حق المواطنة والدولة على الانقسامات الطائفية ذات الولاءات الخارجية والانطواءات الداخلية الخطيرة.

ما قاله رئيس حكومة التصريف أن عدم تقديم المساعدات الخارجية يهدد &"لبنان كنموذج ورسالة في العالم&" يبدو مساراً من التفكير خارج تطور الأوضاع السياسية العربية والدولية على نحو سواء.

لدى العرب الذين اعتادوا مساندة لبنان عقوداً طويلة قناعة في أن الدعم بات يقنن لخدمة المصالح السياسية اللبنانية، التي تتقاطع من مصالح دول الدعم، كما أن اليأس من إمكانية الإصلاح في لبنان يجعل العرب الداعمين يميلون إلى عدم التورط في لعبة خاسرة تمارسها الطبقة السياسيَّة هناك، وتدعو الآخرين للانخراط فيها بالدعم أو المسايرة، فيما يتجه المركب اللبناني كلما امتلأ بمؤونة العرب إلى شواطئ أخرى.

أليست سابقة في الحياة الدبلوماسية أن يطير سفيران للولايات المتحدة وفرنسا معاً إلى الرياض طلباً للمساعدات، وهي لن تكون سياسية وإنما اقتصادية أيضاً؟، لأنّ باريس قبل واشنطن تعرف أسباب انغلاق الأفق السياسي، وصعوبة إيجاد مسارات أخرى في ظل المعادلات الداخلية السائدة.

لم تبد أيّ دولة اهتماماً بالوضع اللبناني كما فعلت فرنسا، وزيارات رئيسها ماكرون مشهودة، لكن لم يكن في مقدور فرنسا إجراء أي تغيير في موضوعات الفساد والتردي السياسي الذي تحول إلى سوء في أنماط العيش، ويقود إلى هجرة قد تستنزف البلد مما تبقى له من طاقات بشرية منتجة، ذلك أن الهجرة في ظل انهيار العملة لن تبقى في حدود الأفراد، وإنما للفعاليات الاقتصادية التي لا يمكن أن تتكيف على طوال الخط مع واقع الانهيارات المفاجئة.

أطراف اللعبة اللبنانية يعرفون أن الأوراق كلها جرى استهلاكها واحترقت، وأنَّ الصُّدَف السياسية أو المفاجآت الإقليمية وحدها قد تلعب دوراً يتصل بتغيير ما، لكنه احتمال ضعيف لا يمكن أن يرتهن بلد به.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف