جريدة الجرائد

العرب.. والسياسة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا يختلف اثنان في أن الفشل السياسي لدى العرب قد تسبب في خلق عقل جمعي &"مضطرب&"، لم يعرف كيف يستقر على منوال تاريخي سلس قائم على التراكم الإيجابي، تكون فيه السياسة مكوناً لتحصين الهوية وامتلاك القوة على الموقع فيما يُطلق عليه الأنثربولوجيون &"عالمية التنمية&".

لهذا الفشل السياسي &"جينيالوجية&" موصوفة انطلقت منذ قرون لمّا وقع العرب تحت سيطرة الترك والفرس، وحرِموا من دولة مستقرة وثابتة على غرار الدولة بالمعنى الإنجليزي، حتى إنهم اعتقدوا أن الدولة تعني الانقلاب والتآمر والفتنة والتداول عليها.

وكانت للأحداث التاريخية التي فرضت عليها تنقل مراكزها وعواصمها دور بارز في تعميق اضطراب العقل الجمعي، وإفشال وعيه العميق بالدولة، وهذا ما يفسّر علاقته الملتبسة بمعنى المواطنة كوعي مركزي لبناء الدولة الوطنية وحمايتها.

وقد انعكس ذلك على أخلاق الحقوق والواجبات ليس بوصفها علاقة &"جدلية ـــ تعاقدية&"، ولكنّ باعتبارها تجليا لانحراف تاريخي لدى الفرد العربي، وهو يربط الحق بالواجب ربطاً ميتافيزيقياً وطائفياً، كما وقع في المجتمعات العربية ابتداءً من خراب الربيع العربي، وما تلاه من تفكك الدولة أو ضعفها.

إذا أضفنا دور الاستعمار الحديث، خاصة اتفاقية سايكس بيكو، في تقسيم البلاد العربية وتفتيت هويتها الجغرافية والبشرية، يتضح أن جينيالوجية هذا الفشل كانت سبباً مباشراً في سقوط المشاريع السياسية التي رفعتها النخبة العربية كأفق ديمقراطي حداثي، وأصلاً لتحول المجتمعات إلى كتل بشرية متفرّقة لم تستطع أن تتفق لحدّ السّاعة على المبادئ الكبرى، التي تقوم عليها إرادة المجتمع ووحدته وانسجام مكوّناته المتنوّعة. كما فضّلت الدولة أن تجعل من هذا الفشل مناسبة لتحريف معنى السلطة عن سياقها القانوني والأخلاقي، إلى سياق نفعي يخصّ فئة &"الأوتوقراط&" التي اعتبرت الحكم مِلكية فردية والدولة مجالاً لتحصينها، ما يفسّر تضخم الأنا الديكتاتوري في بعض أنظمة الحكم العربية، واستفحاش ظاهرة التضييق على النخبة المتنورة من رجالات الدولة كلما اجتهدت في التقرب من الفكرة الديمقراطية.

وقد نتج عن التوظيف السيئ للسلطة من طرف الدولة، احتكار لا مدنيّ لتوزيع القوة والنفوذ اللذين ظلا متمركزين بنزعة أوتوقراطية في نظام الحكم.

النتيجة، حدوث علاقة &"شيزوفرينية&" بين المجتمع والدولة، إذ أصبحت الدولة تتظاهر بخدمة الفرد وضمان حقوقه ضمن بروتوكول ديمقراطي لا يتعدى الشكليات، ثم انكفاء المجتمع حول ذاته بدون أيّ اهتمام بتربية الوعي السيّاسي، الذي يمكّنه على المدى المتوسط من بناء مقاومة مدنية وسياسية مباشرة ضد الأوتوقراطية، ولا يمكن أن ندرج الربيع ضمن هذا الوعي، لأنه تصنيع خارجي تمّ بدون وعي سياسي ناتج عن المجتمع نفسه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف