جريدة الجرائد

سلام من القلب يا عروس المدائن

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لن تغادرني أبداً سداسية المحبة والأخوة التي اعترتني عميقاً وأنا سفير المملكة العربية السعودية في لؤلؤة الشرق الأوسط بيروت لمدة تقرب من سبع سنوات، وهو ما دفعني ذات يوم إلى القول إن سجل العلاقة الأخوية التي تجمع بلدينا بأرقام لا تحصى ولكن بتوقيع من خمسة أحرف عزيزة: لبنان.
اليوم من هنا من مدينة أبها في عسير، أقول لكِ سلام من القلب يا بيروت &"يا ست الدنيا يا بيروت&"، أيتها العروس الجريحة يا بيروت، وقد دمرك ودمر مشاعرنا انفجار الرابع من أغسطس (آب)، سلام حزين من هنا من المملكة العربية السعودية، حيث بكثير من التأثر والتفجع، أسمع أنين ذلك البحر الذي طالما غسل أقدام مدينة الحرف، وطالما شاهدته يلقي من سفارتنا تحية الصباح ويرسل سلام الوفاء والمحبة إلى المملكة العربية السعودية وقيادتها الكريمة وشعبها الأبي...
من هنا من قمم جبال عسير، من قلبي وقلب أسرتي أقول اليوم بمزيد من التأثر &"سلام لكِ يا ست الدنيا يا بيروت&" كما قال الشاعر نزار قباني، وإنني سأظل أسمع البحر ينتحب متفجعاً على ذلك الميناء الممزق والمدينة محطمة القلب وكسيرة الخاطر، المدينة التي دمروا أساورها وقصوا ضفائرها ومزقوا وجهها بالسكاكين، ولكن ذلك لن يغير شيئاً، فإذا كان محمود درويش قد قال يوماً &"بيروت خيمتنا بيروت نجمتنا&"، فستبقين ويبقى لبنان رغم كل الأسى الذي يعلكه، منارة العرب وأبجدية العرب وقصيدة العرب وتلك النبضة الحميمة في قلب كل عربي.
ذات يوم في 27 أغسطس 2020 بعد كارثة المرفأ التي حطمت بيروت ولبنان وأدمت قلوب العرب من المحيط إلى الخليج، كتبت ولو من بعد، أن الانفجار هزّ أركاني ككل عربي يعرف العروس بيروت. وإنني أعرف مثل كثيرين أن البشر والناس يسكنون المدن والأوطان عادة، لكن بيروت ولبنان يبقيان على فرادة هائلة في المعنى والقيمة، فهما اللذان يسكنانك في داخل مشاعرك والقلب، وأكرر: نعم، سلام لكِ يا بيروت التي تسكنني.
في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت وتمزيق وجهها يتردد صدى الجريمة المروعة في كل بيت سعودي وعربي، فما بين المملكة العربية السعودية ولبنان تاريخ يتجاوز العلاقات والوشائج إلى عمق معنى الأخوة الدافئة، فلقد كان لبنان دائماً بالنسبة إلى ملوك السعودية وشعبها &"واسطة العقد العربي&" و&"قلادة العرب&"، فقبل 69 عاماً عندما زار الرئيس كميل شمعون المملكة عام 1952 بدأ تاريخ راسخ من الأخوة التي لن تنقطع أبداً.
يومها قال الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، لضيفه ما يشكل نصيحة تبقى قلادة للتاريخ &"إن نسيج لبنان وتعدد طوائفه ومذاهبه يعطيه ميزة وفرادة، وإن عليه البعد عن المحاور والتحالفات والتركيز على أهمية الحوار والتفاهم والتعاضد بين جميع الأطياف والأفرقاء اللبنانيين، لينعم بالأمن والاستقرار بعيداً عن الأطماع، وفي إطار من الوحدة الوطنية الراسخة التي تحميه وتصون استقلاله&".
وسلام سلام من قلوبنا يا بيروت الحبيبة، أيتها المدينة الساحرة التي يحاولون اغتيالها، فلا تزال جراحك تنزف فينا ونحن - كما كنا دائماً - شقيقان سياميان... نعم سلام لكِ يا بيروت يا ست الدنيا التي ستظل تسكننا.
* سفير السعودية سابقاً
لدى لبنان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف