جريدة الجرائد

ذكريات شخصية للغزو العراقي للكويت (2)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مع بزوغ فجر الثاني من أغسطس اجتاحت قوات الغدر والخيانة أرض الكويت الطاهرة لتُعلن بداية عهد جديد من المتغيرات المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط، فأصبحت الأمور أكثر تعقيدًا، فقد ظهرت مع بدايات ذلك الفجر الأسود إشارات وعلامات لصراعات ودماء وحروب قادمة تُعيد المنطقة إلى دهاليز الظلم والظلام، حيث اختلط الماضي بالحاضر، وامتزج خطر الأفكار المتعدّدة النوايا مع خطر المدافع، واصطدمت الحقائق بالواقع السياسي والأطماع الجغرافية التي كانت سببًا للتغيير الاجتماعي والاقتصادي الشامل في الوطن العربي من مغربه إلى مشرقه، حيث لم تتمكَّن بعض الأنظمة العربية من تحمّل الضغوط عليها من كل الجهات بعد سقوط صدام في (مارس 2003م)، وبدأت في التمزّق والانهيار التام بعد ثورة الربيع العربي الدموية التي انتهت بالسلام الزائف والقلِق والمتوتر الذي صاغته الظروف على أرض الواقع العربي المتهالك جملةً وتفصيلاً ولم يزل القادة العرب لم يستوعبوا الدروس تاركين الأمور تجري حسب الظروف!

واستكمالاً لذكرياتي الشخصية مع الغزو العراقي الغاشم التي بدأتها في مقالي السابق، فقد كنتُ حينها قنصلاً عامًا للبحرين في عموم الهند، ولم تكن للبحرين سفارة في نيودلهي العاصمة السياسية للهند؛ ولذلك كان يتمّ تكليفي مرارًا لنقل رسائل من قيادتنا الرشيدة إلى القيادة الهندية في نيودلهي، حيث نقلتُ عن سيدي صاحب الجلالة ولي العهد آنذاك رسائل إلى الرئيس الهندي (السيد لال بهادور شاستري) وإلى رئيس الوزراء (السيد راجيف غاندي) في (29 ديسمبر 1988م)، كما مرَّ ببومبي المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في طريق عودته من ماليزيا بعد حضوره مراسم تتويج ملكها آنذاك.

ويوم الاحتلال الغادر، كنتُ أقضي إجازتي مع عائلتي في باريس، وكنتُ محاصرًا بسبب قلة المعلومات عن الحرب، فقرَّرت قطع الإجازة والعودة إلى مقر عملي في بومبي، فانتقلتُ من باريس إلى لندن من أجل العودة إلى البحرين ومنها إلى بومبي على الخطوط الجوية الكويتية التي توقفت عملياتها بسبب الغزو، إلا أن الخطوط الجوية البريطانية قبلت بتذاكر السفر الكويتية، وخلال هذه الرحلة واجهتُ موقفًا أثار أعصابي في لندن وتحديدًا في أحد محلات بيع الحقائب على شارع أكسفورد عندما قدَّمتُ للبائع بطاقتي الائتمانية من (بنك البحرين والكويت) فرفضها البائع وقال لي إن الكويت غير موجودة، وأعاد إليّ البطاقة بعد تمزيقها!! فأثار تصرّفه غضبي وحزني في آنٍ واحد فغادرتُ المحل دون شراء الحقيبة احتجاجًا على تصرّفه المستفزّ جدًا!

عدتُ إلى البحرين التي كانت تعيش أوضاعًا مؤلمة، فالوجوه متجهّمة، والنفوس مصدومة من الرجل الذي أحبه الجميع ووقف معه في حربه ضد الفرس! ثم وصلتُ إلى بومبي، وهناك كانت معاناتي في صعوبة متابعة أخبار الحرب، حيث لا تتوافر في الهند خدمات البث الفوري لقناة (CNN) الأمريكية التي كانت تنقل تطورات الحرب مباشرةً، فتفضَّل (السيد أنيل مادوك) مدير عام (فندق ذا أوباروي) بتجهيز أحد أجنحة الفندق الكبيرة بكافة التجهيزات اللازمة لمتابعة تطورات الحرب أولاً بأول وتسهيل المهمة على قناصل ودبلوماسيي البعثات الخليجية.

وقد واجهتنا نحن القناصل العامّون الخليجيين في الهند مشكلة دبلوماسية مع القنصل العام العراقي، حيث كانت تُعقد اجتماعات شهرية لمجلس القناصل العرب برئاسة القنصل العام الكويتي السفير فيصل القناعي، ولكي نتجنب الإحراج الدبلوماسي طلبنا من القنصل الكويتي الذي كان عميدًا للسلك القنصلي العربي والأجنبي تأجيل تلك الاجتماعات تفاديًا للجلوس مع القنصل العراقي على طاولة واحدة، حيث كان الوضع محرجًا جدًا بسبب الصداقة القوية التي كانت قائمة معه إلا أن السياسة والتصرفات المجنونة للرئيس العراقي كانت سببًا وراء موقفنا الدبلوماسي، وهو أقل ما يمكننا تقديمه للكويت الغالية ولشعبها الأصيل.

إن صور الرجال الذين عملوا من أجل الكويت كثيرة بلا شك، وأنا هنا دوَّنت ما عايشته شخصيًا، وأذكر مما أذكر عندما غادر الشيخ مبارك الجابر الأحمد الصباح -نجل أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله - القاهرة إلى البحرين بعد زيارته لوالدته هناك، واجتماعه مع المغفور له الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيَّب الله ثراه، الذي عرضَ عليه كثير من العطايا والتسهيلات إلا أن رده كان (جعلكم الله ذخرًا يا طويل العمر) وأنه لو احتاج إلى شيء سوف لن يتردَّد في طلبه.

وقبل عودته إلى الكويت بعد التحرير قام بزيارة للبحرين لحضور اجتماعات بنك البحرين الدولي الذي كان رئيسًا لمجلس إدارته، حيث تمَّ تكليفه بمهمة شراء سيارات إلى الديوان الأميري لاستخدامها في استقبال المهنئين بمناسبة تحرير الكويت والتي نقلها بنفسه مع عدد من زملائه من البحرين إلى الكويت برًّا، وهناك الكثير الكثير من الصور المشرقة، والتي يبقى الحديث عنها في بعض الأحيان حسَّاسًا أو غير مرغوب فيه.

ومع انتهاء حرب تحرير الكويت في (فبراير 1991م) بدأت مرحلة جديدة من انتقال مواقع القوة في الوطن العربي إلى إيران من جهة والمدّ الإخواني في مصر وتونس من جهة أخرى، إلى جانب عدد من الدول العربية المستترة خلف الكواليس لتنفيذ الخطة الأمريكية الهادفة لتغيير أنظمة الحكم المستقرة، وكانت تلك أهم وأخطر مراحل التاريخ الحديث للوطن العربي؛ لأن تلك الدول تطمح للسيطرة على الأمة العربية بما لديها من قوة مالية باستخدام الإخوان المسلمين، ما أتاح لها فتح أبواب عصر جديد يختلف عن كل ما سبقه من عصور، وهو عصر الإخوان المسلمين الذين أرادت الولايات المتحدة منحهم فرصة كما منحت غيرهم من البعثيين والقوميين العرب، كنقلة نحو الديمقراطية الزائفة في الوطن العربي بعد فشل التجربة في العراق، لتفجّر (الربيع العربي) الدامي في نهايات عام (2010م) والذي لم يحقق أهدافه حتى الآن إلا أن الآمال مازالت معقودة عليه في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة!

وفي الختام، أودّ التذكير بأن الصراعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط لم تؤدي إلى تسوية المشاكل المسبِّبة لها، بل جعلتها أكثر تعقيدًا، وقد تتوهَّم بعض دول الإقليم أنها حقَّقت انتصارات في ذلك إلا أنها تخلط بين الواقع الراهن وإمكانية استمرار سباق الأقوياء على حساب حقوق شعوبها وتوقف عجلة التنمية وارتفاع معدلات التضخم وانتشار الفقر والمجاعة فيها، ليتحوَّل الوطن العربي إلى بؤرة للصراع الإقليمي منذ الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت وحتى اليوم، وتشهد على ذلك الأخبار والصور على شاشات الفضائيات والتي تبيِّن الحال الذي وصل إليه الوطن العربي الذي مزَّقته المصالح والتدخلات الخارجية.

المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مهلا سيدى القنصل
فول على طول -

لا أعتقد أن البائع فى شارع اكسفورد مزق بطاقتك الائتمانيه فهذا عمل غير أخلاقى وليس من حق البائع أن يفعله ..بكل تأكيد هو لم يمزق بطاقتكم بل ربما يكون رفضها وهذا حقه ...كلامك غير مقبول وغير معقول . .انتهى - الكاتب نسي أن الذى حرر الكويت هم الأمريكانت ولكن افتكر فقط أن الامريكان يخططون لبتمزيق وطنكم العرب - تمثيل دور الضحايا دائما - وكان من الأسهل على امريكا أن تترك الكويت وتترك صدام يستولى على الخليج كله وبعد ذلك لن تهدأ نيران الحروب بينكم بدون اخوان أو ربيع عربى .

تابع ما قبله
فول على طول -

ومرض المؤامره لم ولن يبرح أمة لا اله الا الله منذ أن قال لكم الذى لا ينطق عن الهوى : ولن ترضى عنكم اليهود ولا النصارى ...مع أنه هو وأنتم من بعده غير راضين عن أحد حتى يتبع ملتكم حتى ولو بالاكراه أو يدفع الجزيه . سيدى القنصل : لا أحد يتامر على الأموات ..ولا أحد يريد تمزيق الممزق أصلا وبدون مجهود والذى لا ينطق عن الهوى أكد أنكم 73 فرقه وواحده فقط هى الناجيه لم يقول من هى ؟ ووطنكم العربى تحت خط الفقر ..أى قوه ماليه تتحدث عنها ؟ والاخوان وطالبان والقاعده وداعش وماعش هم أبناؤكم واخوتكم ولم يأتوا من كوكب أخر ونتاج تعاليمكم . ربنا يشفيكم يا بعدا .

السؤال الاهم لسيادة القنصل
صالح -

السؤال الاهم لسيادة القنصل هو اذا كانت امريكا تريد الاخوان لتمزيق العرب فلما تركت السيسي ليسحق الاخوان؟ واذا كانت لامريكا القوة لجلب الاخوان لمواقع القوة فلماذا لا تسايروها لتكون في صفكم؟ ونسأل السيد القنصل اذا كان الاخوان مخربون للدول العربية الاسلامية فما هو دور الشعوب للتصدي لهذه القوة, وما هو دور القادة العرب من هذه المؤامرات, ولماذا لا يتصدون لها؟ انها خيبة امل ان نسمع كلام خيالي من رجل قيادي ويا حسرتي على رجل الشارع. المفروض ان تنيروا الطريق لموطنيكم حتى لا يتيهوا في غياهب الخرافات.

محافظة كاظمة!
صباح البغدادي -

محافظة كاظمة أو ما تسمى حاليآ (الكويت) هي المحافظة التاسعة عشر العراقية وسوف تبقى عراقية مهما طال الزمن ! يومآ ما سوف يعود الفرع إلى الأصل ! المحتل البريطاني الذي اقتطع هذا الجزء من ارض الرافدين ...