مطبعة نابليون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في إشارتنا، في مقال سابق، إلى مطبعة بولاق التي تأسست في العام 1820 بأمر من محمد علي باشا، لم نقطع تماماً بأنها أول مطبعة تتأسس في العالم العربي، وإن رجحنا ذلك.
بعض الأصدقاء، وبينهم الأديب الكويتي وليد الرجيب، نبهني إلى أمر مطبعة تأسست قبل مطبعة بولاق بعدة عقود، وحوّلت إلى متحف في العام 1998، زاره هو شخصياً، فتاريخ تأسيسها، كما قرأنا، يعود إلى العام 1733. وتقع هذه المطبعة في بلدة الخنشارة بمنطقة جبل لبنان، وكان عنوان أول كتاب عربي طبعته &"ميزان الزمان&"، وتلتها في التأسيس، في لبنان أيضاً، لكن هذه المرة في العاصمة بيروت، مطبعة أخرى هي مطبعة &"مار جاور جيوس&" في العام 1751.
لهذا التاريخ المبكر لتأسيس المطابع في لبنان يعود فضل كبير لما أصبحت عليه الطباعة وصناعة الكتاب ونشره في لبنان من مكانة على الصعيد العربي، حتى لم يعد في القول بأن بيروت &"مطبعة العرب&" مبالغة، وهو ما أهل هذه المدينة، رغم ما لحق ويلحق بها من محن، لأن تلعب دوراً مهماً في الإشعاع الثقافي على المستوى العربي يتجاوز بكثير مساحة لبنان الصغيرة.
لكن ما ميّز تأسيس مطبعة بولاق، وإن أتى لاحقاً لتأسيس المطابع في لبنان، هو أنها جاءت في سياق المشروع التحديثي الذي قاده محمد علي باشا، والذي أدرك صاحبه ما للمطابع من دور في نشر المعرفة وتعميمها في صفوف الناس، بعد أن كانت محصورة في إطار نخب محدودة من المتعلمين ورجال الدين. ويضاف إلى ذلك وزن مصر الجغرافي والسياسي في المنطقة الذي جعل لما يصدر فيها من كتب تأثيراً وانتشاراً أوسع.
وبات معلوماً أن متنورين أوائل من بلاد الشام قصدوا القاهرة والإسكندرية لأنهم وجدوا في الفضاء المصري مساحات أوسع لنشر ما يدعون إليه من أفكار، وتنفيذ ما في أذهانهم من مشاريع، كإصدار الصحف وتأسيس المسارح وسوى ذلك، كان لها ما كان من دور حاسم في النهضة الثقافية والفنية العربية.
سيكون الحديث عن تاريخ المطابع في مصر وبلاد الشام ناقصاً إن لم نأت على ذكر المطبعة العربية التي أحضرها نابليون معه أثناء حملته على مصر التي دامت ثلاثة أعوام (1798 &- 1801). ولو قارنا التواريخ لوجدنا أن لبنان عرف المطبعة قبل حملة نابليون على مصر بكثير، لكن غاية الأخير من مطبعته لم تكن نشر المعارف والعلوم، وإنما طباعة الأوامر والقرارات الصادرة عنه، لذا فإنه حين عاد إلى فرنسا أعاد معه المطبعة، كما أعاد كل من أحضرهم معه من علماء وفنانين.