أفغانستان تصطاد الرئيس بايدن وإيران تتربّص له في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أطاحت تطوّرات أفغانستان بالوفاق وبالثقة العارمة في صفوف الحزب الديموقراطي ليحل محلّها الاختلاف حول ما العمل ازاء أداء الرئيس جو بايدن وتداعياته. النقاش بين قادة الحزب داخل الغرف المغلقة يطرق أبواب الخيارات المتاحة لاستدراك الخطر على ما أنجزه الديموقراطيون في الانتخابات الرئاسية وما يخشون ان يُتَرجم في خسارة الانتخابات النصفيّة. نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس ليست متمرّسة في القيادة ولا هي محنّكة في الشؤون الدولية التي باتت ذات أهمية بالغة اليوم ما بعد كارثة debacle أفغانستان. لكن القيادات الديموقراطية بدأت تنظر الى هاريس كوجه جديد قد يكون منعشاً ومفيداً بعدما تلطّخ وجه الرئيس بايدن بوحل أفغانستان.
ولذلك بدأ التفكير في إمكان إنقاذ مصير الحزب الديموقراطي من ورطة بايدن عبر إخراجٍ يضع هاريس في المقعد الرئاسي، إما بتنازلٍ من بايدن أو بسبب "وعكة صحيّة" وما يشابه. فالحزب لن يغامر بإنجازاته، وقياداته منقسمة الى جزء يقاوم فكرة "تنحية" بايدن بصورة أو بأخرى، وجزء آخر يشير الى أن أخطاء الرئيس بايدن في أفغانستان مُكلِفة داخلياً وعالمياً، لا سيّما أن المؤسسة العسكرية احتجّت على قراراته والمؤسسة الإعلامية بدأت معه الطلاق. واليوم، تتّجه الأنظار الى المباحثات حول الاتفاق النووي مع إيران JCPOA إذ يرى فيها البعض سُلَّم الخلاص لبايدن وإدارته فيما يُحذّر البعض الآخر من مغبّة السقوط في دهاليز الابتزاز الإيراني ليدفع الحزب الديموقراطي برمّته الكلفة. ثم هناك خطط الانسحاب الأميركي من العراق واعتبار طهران له فرصتها الفريدة المميّزة unique للسيطرة على العراق وبيع نفطه. هذا الى جانب إفرازات سحب القوات الأميركية من غرب العراق على السيطرة الأميركية على المناطق الغنيّة بالموارد الطبيعية في شمال شرقي سوريا والتي تحول دون استعادة الرئيس السوري بشار الأسد القدرة على السيطرة على الحكم والاقتصاد والبلاد.
الكل يراقب ماذا ستفعل إدارة بايدن بما كانت الولايات المتحدة قد أنجزته في سوريا وفي العراق بعدما هدرت إنجازاتها في أفغانستان. فها هي إدارة بايدن تتفاوض مع حركة "طالبان". فيما تُمسك "طالبان" بعصا تهديد أرواح الأميركيين في كابول إذ رفضت إدارة بايدن تلبية ابتزازاتها بفك تجميد الأموال التي تعتبرها من حقها. وها هي المنظمات الإرهابية تراقب انهيار العظمة الأميركية وتقتنص الفرصة. وها هي إدارة بايدن تتخبّط في أخطائها فيما قيادة الحزب الديموقراطي تعضّ أصابعها قلقاً.
وضع "طالبان" في أفغانستان ليس محرجاً لها، فيما وضع الولايات المتحدة في غاية الإحراج. المصادر الاستخبارية التي تتحدّث مع "طالبان" ومع ضيوف "طالبان" في أفغانستان نقلت عنهم كلاماً ليس واضحاً إن كان مجرد تهديد وتهويل لشدّ العضلات أو إن كان قيد التخطيط والتنفيذ. تقول هذه المصادر إنه كما أراد الرئيس بايدن أن يجعل من تاريخ مرور 20 سنة على إرهاب 11 أيلول (سبتمبر) 2001 موعداً لعودة القوات الأميركية من أفغانستان، أن "القاعدة" و"داعش" يريدان أن يوجّهان ضربة داخل الولايات المتحدة في هذه الذكرى.
"طالبان" جاهزة، تقول هذه المصادر، للصفقة على أساس إبداء جدّيّة للاستعداد لتلبية شروطها بفك تجميد الأموال مقابل تمديد الفترة الزمنية الضرورية لإجلاء الأميركيين من مطار كابول. "طالبان" جاهزة لاستمرار الاتصالات التي كان أرفع مستوى لها في مباحثات مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز. أما في حال عدم التوصّل الى صفقة، تتابع المصادر الاستخبارية التي تتحدّث مع نظيرتها الأفغانية، أن "طالبان" لن تسمح ببقاء الأميركيين بما يتعدّى التاريخ الذي حددته لرحيلهم في الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل، وهي تريد الإجابة الأميركية قبل 2 أيلول (سبتمبر) المقبل، وإلا "ستسحق مَن تبقّى منهم، قتلاً".
إدارة بايدن تدرك أن قتل أي جندي أميركي في أفغانستان هو مصيبة لها، وأن أيّة حادثة إرهابية في عقر الدار الأميركية سيكون مصيبة مصائبها. تدرك أيضاً أن الرئيس جو بايدن يقع في عين العاصفة، وأن قيادات في الحزب الديموقراطي تحمّله المسؤولية ولن تتحمّل كلفتها.
قد تهرول إدارة بايدن الى إبرام الصفقة النووية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية - والتي عقدت صفقتها السرية مع "طالبان"- وذلك من أجل قصة نجاح في السياسة الخارجية يحتاجها بايدن أشد الحاجة. طهران تدرك أن الرئيس الأميركي حشر نفسه في الزاوية وهو في حاجة للإنقاذ. وثمن الإنقاذ هو المزيد من الابتزاز لا سيّما أن تقويم القيادات الإيرانية هو أن لا بأس أبداً بعدم إبرام الصفقة النووية الآن بعدما سقطت الهيبة الأميركية في أفغانستان.
فالقيادات الإيرانية تستعدّ "للبونانزا" أي استخراج منجم الثراء في العراق في أعقاب تدحرج القوات الأميركية منه بلا استراتيجية وبلا دراسة للعواقب تماماً كما حصل في أفغانستان.
في الموضوع النووي، ترى إيران أن الغضب الأوروبي من الأداء الأميركي في أفغانستان ومن فشل اجتماع مجموعة السبع بسبب تعنت بايدن سيترجم نفسه بمضاعفة الدعم الأوروبي لصفقة نووية مع إيران ومضاعفة الدفع الأوروبي بإدارة بايدن للتخلّي عن مطالبتها طهران بمزيد من الضمانات النووية. فطهران واثقة من تشغيل الأوروبيين لحسابها في الموضوع النووي كالعادة.
لن يكون قرار بايدن سهلاً عند الاختيار بين انهيار مفاوضات فيينا النووية وبين الهرولة للرضوخ لإملاءات إيران النووية. سيكون مُداناً في الحالتين وسيُحاسَب على أيادي قيادة الحزب الديموقراطي بقدر ما قد يتأهب الجمهوريون والرئيس السابق دونالد ترامب للانقضاض عليه. مشكلته الآن هي أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يهدّده بأنه لن ينتظر طويلاً عودته الى مفاوضات فيينا ويغمز أنه سيصعّد نووياً وصاروخياً وإقليمياً إذا أطال الرئيس بايدن قبل العودة.
القيادات الإيرانية ملتهية أكثر اليوم بمشروع الفوضى الذي تريده للعراق. فالأجواء للمشروع الإيراني للعراق باتت مواتية أكثر لطهران ما بعد تطوّرات أفغانستان. ثم أن في العراق تجد إيران لنفسها مصدراً للأموال، ولدى القيادات الإيرانية الخطط المالية للاستفادة من نفط العراق فور السيطرة عليه. فثمن الانسحاب الأميركي والانتصار الإيراني في العراق باهظ. وطهران استنتجت أن إدارة بايدن ستضاعف عزمها على الانسحاب من العراق بعدما أخفقت في الانسحاب من أفغانستان.
منطقيّاً، وكما تفيد المؤشرات، قد تنوي إدارة بايدن الانسحاب من سوريا - الأمر الذي يثير الاستغراب نظراً للكلفة الرخيصة للبقاء الأميركي في شمال شرق سوريا. هذه المنطقة تبدو مرتبطة عسكرياً مع غرب العراق، وعليه سيؤثر الانسحاب الأميركي من العراق على قرار البقاء أو المغادرة الأميركية من سوريا.
في الأمس، كان مستهجناً حتى التفكير بالانسحاب من سوريا لأن السيطرة الأميركية على تلك المنطقة تعني عمليّاً عدم قدرة الحكومة السورية السيطرة على مواردها هناك. تعني أيضاً أن لدى الولايات المتحدة النفوذ على الأداء الروسي والإيراني في سوريا، الى جانب تكبيل بشار الأسد اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً من خلال السيطرة بالنيران جويّاً، وليس عبر الجنود الأميركيين على الأرض. لم يكن حينذاك منطقياً أن تهرول الولايات المتحدة من سوريا، وللتذكير اضطر دونالد ترامب للتراجع عن قرار الهرولة للأسباب المنطقية التي وضعها أمامه العسكريون.
الهروب الأميركي من العراق وسوريا لن يكون في مصلحة الأمن القومي الأميركي وهو سيكون مُكلِفاً لرئاسة بايدن لأنه في الوقت ذاته يخدم إيران عراقياً، ويخدم روسيا سوريّاً، ويخدم الصين في الحالتين، وهو يجرّد الولايات المتحدة من المنافع الاستراتيجية.
في الأمس تسامح الإعلام الأميركي وجزء من الرأي العام مع بايدن وسياساته، إنما اليوم تبدو فسحة التسامح أضيق، وتذمّر قادة الحزب الديموقراطي أعمق.
جو بايدن وصل الى الرئاسة الأميركية من دون أن يفعل كثيراً لأن حملته الانتخابية قررت أن الاستفادة من أخطاء دونالد ترامب أفضل بكثير من المغامرة بجهود يبذلها بايدن- فوصل الى البيت الأبيض رئيساً نائماً. شخصية بايدن كانت مفيدة للحزب الديموقراطي ومشاريعه الرئاسية في مرحلة أحسن الحزب الديموقراطي توظيفها لصالحه انتخابياً. الحسنة ذاتها في شخصية بايدن الباهتة هي التي انقلبت على الحزب الديموقراطي لا سيّما بعدما كشفت أفغانستان الخلل والعلل من تلك الشخصية بما شمل النقص في التفكير النقدي Critical thinking وحسن التدبير، وعدم القدرة على التأقلم بذكاء سياسي intcllect مع التحديات.
بسرعة، عرّت أفغانستان ضعف بايدن ولاحقته التطورات العالمية لتتحدى سياساته الخارجية وتطوّقه. تدريب هاريس في ملفات الجغرافيا- السياسية Geo-politics بات فجأة ملحّاً وعاجلاً داهمته وتيرة الحدث الضخم في أفغانستان. لا يمكن لبايدن أن يقول "لو كنت أَعلم" لأن كبار العقول المدنية والعسكرية التي تعرف جيّداً ملف أفغانستان قدّمت اليه النصائح تكراراً، لكن عناده وربما كسل فريقه في التفكير النقدي حفر لبايدن المصيدة. فالتاريخ سيحكم. لكن قادة الحزب الديموقراطي يريدون صنع التاريخ وليس انتظار حكمه. فلنرَ؟