جريدة الجرائد

معضلة «تأديب» التاريخ روائيّاً

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كثيراً ما طُرح &"التَّاريخ&" بالموازاة مع الرواية المعاصرة عربيّاً، بوصفه مُكمِّلاً للرواية وليس فاعلاً عميقاً وجوهريّاً فيها، بالخصوص في نوع &"الرِّواية التاريخيَّة&"، حيث إن إضافة &"التَّاريخيَّة&" ليست للتنميق ولكن لخصوصيَّة الكتابة، بل للفصل بينها وبين أنواع أخرى تلتصق بالجنس (الجندر) لتعطيه هوية تحدد معالمه. من هنا، فسؤال التَّاريخ في الرواية، مهم، بل مركزي، يُواجهنا كلما تعلق الأمر بالرواية التاريخية، أي بالمنجز الفني الذي ينشأ على مادة سابقة له، له الحرية/ ليست له حرية في التصرف، وفق مقتضيات البنية الروائية بكل مكوناتها.

لا غرابة في أن الموضوع الأساسي للتاريخ هو الواقع المعاش بكل يومياته وحروبه ومنجزاته وطفراته التي تقفز بالأمم وتغيرها من مواقعها الأولى، بينما أساس الرواية متخيلها الذي تنشئه ولا ينتمي إلا لها. وتساؤل &"جيرار جنيت&" في هذا السياق يلتقي في نقطة التقاطع بين النوعين، إذ لا أحد منهما بإمكانه أن يتخلَّص من الآخر، فلكل منهما علاقة حميمة وجوهرية بالتعبير، الحدث، والإنسان: &"هل وُجد يوماً ما متخيل محض؟ ولا- متخيل محض؟

وهذا ما يؤكده الروائي &"طارق علي&" الذي اختص في الرواية التاريخية، بقوة تنتصر للتخييل في النهاية بل وتقدسه: الخيال عند الروائي مقدس، والحقيقة مجال للانتهاك، ولا بد أن العكس صحيح عند المؤرخ، إذ يحتمي التاريخ بما هو حقيقي بين قوسين، في حين تشكل مساحات التخييل المجال الحر والمفتوح للرواية. في النهاية، تلتقي الصرامة مع الحرية، في أرض ثالثة، لا هي أرض التاريخ، ولا هي أرض الرواية بوصفها تخييلاً عاماً.

هذا لا يمنع من أن تكون علاقة التاريخ بالرواية علاقة وطيدة، حيث &"تزامن صعود الرواية الأوروبية، في القرن التاسع عشر، مع صعود علم التاريخ فاتَّكأ طرفا المعادلة على مقولة الإنسان الباحث عن أصوله&".

العلاقة بين التاريخ والتخييل لا تترسخ إلا باستيعاب الرواية للتاريخ لا كمقدس، ولكن كمساحة &"عراكيّة&" لها كل الحق في أن تملي شروط الجنس والنوع، وحق القراءة التي ليس شرطاً أن تتلاءم مع منظور المؤسسة التاريخية المهيمنة برؤاها التي قد يعاد النظر فيها.

لقد ربط جورج لوكاتش Lukacs ظهور النوع بهزيمة نابليون وسقوط يقين الإمبراطورية التي أصبحت رماداً، وانتهى صاحبها في المنافي، وتزامن ذلك كله مع ظهور رواية ويفيرلي، لولتر سكوت عام 1814 التي كتبت تاريخاً موازياً يقع في أرض مستقلة، تتقاطع فيها التفاصيل التاريخية بالتخييل الذي يحويها ويحضنها ويوجهها.

لا يمكننا اليوم أن نتخيل نصاً روائياً يرتكز على التاريخ، دون تحقق عنصرين حيويين، عنصر التاريخ، وعنصر استنطاقه، و&"تأديبه&"، أي الارتقاء نحو الأدبية التي تبرر وجوده في جنس ونوع اسمهما &"الرواية التاريخية&".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف