جريدة الجرائد

الأراضي الفضاء والرياض الخضراء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

استتباب الأمن بعد توحيد المملكة، ودخول عنصر السيارة وسيلة جديدة للنقل، كانا هما العاملان الرئيسان اللذان دفعا بالمدن السعودية لأن تنمو خارج حدود ما ظلت تحاط به من أسوار على مدى تاريخها، إلا أن هذا النمو في المدن الكبرى تحديداً بدا معظمه فيما بعد مبعثراً، وأضحت التنمية العمرانية في غالبية تلك المدن أشبه ما توصف بالجزر المتناثرة التي يفصل بينها فضاء واسع من الأراضي، كان -وفق تصوري- المنطلق لنشوء وانتشار استخدام مصطلح "الأراضي الفضاء" في قاموس مدننا.

من حينها أصبحت تلك الأراضي الفضاء مصدر إزعاج لإدارة تلك المدن، ليس لأنها هيأت الظروف للمهاجرين إلى تلك المدن في ذلك الوقت لإقامة "صنادقهم" و"عششهم" في محيطها، وإنما لما مثلته أيضاً من قذاً في المظهر العام للمدينة، خاصة حين أضحت بيئة قابلة لأن ترمى فيها النفايات ومخلفات البناء، فنشأت حينها الاجتهادات من بعض الأمانات والبلديات بالعمل على تسوير البعض من تلك الأراضي أو بستنته وتشجيره من منطلق جمالي بحت.

إلى أن برز بعد ذلك بعد آخر، اقتصادي في طبيعته، لهذه القضية الحضرية، ألا وهو تكلفة إيصال الخطوط الرئيسة لشبكة المرافق العامة، فكان أن جرى تبني مفهوم "النطاق العمراني" وسيلة لكبح جماح هذا التبعثر، والتقليل من نسبة الأراضي الفضاء داخل المدن، وساعد تطبيق هذا المفهوم في الحد من الأول، إلا أنه لم ينجح كثيراً في خفض عدد ومساحة الأراضي الفضاء، الأمر الذي اعتبرته وزارة الإسكان في مرحلة تالية أحد معوقات رفع معدل العرض للمساكن، فكان ذلك نقطة الانطلاق لنظام رسوم الأراضي البيضاء المعمول به حالياً الذي يشمل في جوانب منه خفض نسبة الأراضي الفضاء ذات الاستخدام السكني غير المستغلة في مدن المملكة.

اليوم يبدو أننا نشهد من خلال التجربة الدولية التي من نماذجها مدينة فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، متغيراً جديداً يتعلق بالأراضي الفضاء، ألا وهو إمكانية أن يكون لها في هذه المرحلة الحالية دور إيجابي.. عبر إسهام تلك الأراضي الفضاء عند تشجيرها بزيادة المساحة الخضراء داخل المدن وبالتالي التقليل من تأثير ظاهرة الجزر الحرارية التي تحدث بسبب كثافة التنمية الحضرية في المدن وزيادة الانبعاثات الغازية نتيجة الاستهلاك المفرط للطاقة، يعزز من أهمية ودور هذا المتغير كل من مشروع الرياض الخضراء، ومبادرة السعودية الخضراء. فهل تستبدل النظرة الحالية -أحادية البعد- للأراضي الفضاء بالنظرة الأكثر شمولية في جوانبها وتعدد أبعادها..؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف