كورونا وتفاقم التضخم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تشير التجربة التاريخية إلى أنه عقب كل جائحة أو حرب كبرى أو كوارث شاملة، ترتفع الأسعار بنسب كبيرة، وبالتالي معدلات التضخم، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة ترافق التعافي من جائحة كورونا مع ارتفاعات متواصلة لأسعار السلع على مستوى العالم.
وتعتبر البلدان المعتمدة على الواردات في تلبية احتياجاتها الأشد تضرراً من ارتفاع الأسعار لأسباب سنأتي على ذكرها، فالجائحة أدت إلى تعطل سلاسل الإمدادات وتوقف أو تباطأ الإنتاج في قطاعات اقتصادية رئيسية، وذلك كنتيجة طبيعية للتراجع الكبير في الطلب أثناء الأزمة، إذ أن العلاقة بين هذين المكونين، أي بين مستويات العرض والطلب، هي ما يفسر أساساً ظاهرة ارتفاع الأسعار الحالية والتي قد تستمر لفترة طويلة.
الدلائل تشير إلى أنه اعتباراً من بداية العام الجاري ارتفع الطلب في الأسواق العالمية على مختلف أنواع السلع والخدمات، وذلك أثر الانفتاح الاقتصادي بعد فترة إغلاقات مؤلمة، خصوصاً وأنه تراكمت لدى فئات واسعة سيولةٌ نقدية ناجمة عن محدودية السفر والتسوق في الفترة الماضية، قابَل ذلك عدم قدرة المصانع والمؤسسات الإنتاجية على العودة السريعة لمستويات الإنتاج السابقة، وذلك لأكثر من سبب، يكمن أهمها في نقص توريد المعادن الأساسية، وفقدان طاقات ومؤهلات بشرية، إما بسبب الفيروس أو بسبب إحجام بعضها عن المساهمة مجدداً في العمل المباشر وتفضيل الوظائف التي تتطلب العمل عن بُعد.وبما أن هناك دولاً مثل اليابان والاتحاد الأوروبي تعتمد على المواد الأولية من الخارج، فقد نما الطلب على عمليات الشحن بسرعة، وهو ما لم تستطع شركات الشحن تلبيته بالسرعة المطلوبة، مما أدى إلى تنافس شرس على عمليات حجز البواخر ووسائل النقل الأخرى وساهم في ارتفاع تكاليف الشحن بصورة ملحوظة لتتضاعف ثلاث مرات في غضون عام واحد. إذن أسباب الارتفاع الكبير في الأسعار الذي تشهده أسواق العالم الآن، بما فيها أسواق المنطقة، ناجم عن الخلل الذي أصاب هذه المعادلة بسبب جائحة كورونا ومرحلة التعافي التي بدأت وستستمر في الفترة القادمة، وهو ما قد يشكل المزيدَ من الضغوط على الأسعار، والتي من الصعب تحديد فترتها الزمنية أو المستويات التي ستصل إليها، حيث أشارت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى أنه في شهر مايو الماضي ارتفعت الأسعار بأسرع وتيرة شهرية لها خلال عقد وأدت إلى زيادة في أسعار الحبوب والسكر والزيوت النباتية بنسبة 32%.
إن ما يهم المستهلكين الآن هو: إلى أي مدى ستستمر الأسعار في ارتفاع؟ إذ يسود رأيان بين كبار اقتصاديي العالم، أولهما يتوقع أن لا تعاود الأسعار الانخفاض مرة أخرى وأن تبقى عند مستوياتها المرتفعة، في حين يرى الفريق الآخر من كبار الاقتصاديين أن معدلات التضخم الحالية مؤقتة ومرتبطة بالخلل بين العرض والطلب، وأنه بمجرد أن تعود الأسواق للتوازن فإن الأسعار ستنخفض عن مستوياتها الحالية.
وفي كل الأحوال، فعلى كل دولة على حدة، وعلى المجتمع الدولي ككل، تقع مسؤولية إنسانية كبيرة للحد من القفزات المتتالية في الأسعار والتي ستؤدي إلى نقص في التزود بالمواد الغذائية الرئيسية لدى فئات اجتماعية كبيرة، كما أنه ظهرت في الفترة الأخيرة بوادر مجاعات في بعض المناطق في آسيا وأفريقيا، وهو ما يتطلب سرعة التحرك من منطلق إنساني. وفي دول المنطقة، فإنه على الرغم من تمتع دول الخليج العربي بمستويات معيشية مرتفعة، إلا أن ارتفاع الأسعار بمستويات غير مسبوقة سيؤثر دون شك في مستويات المعيشة، وبالأخص لدى فئات محدودي الدخل، وهو ما يتطلب سرعة اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من تداعيات ارتفاع الأسعار، سواء بدعم الفئات الأكثر تضرراً أم بتفعيل مؤسسات حماية المستهلك، حيث يلاحظ ارتفاع الأسعار في المنطقة بمعدلات تفوق مثيلاتها في الأسواق الدولية، مع ميلنا لترجيح كفة رأي الفريق الثاني من الاقتصاديين، والذي يشير إلى إمكانية عودة التوازن للأسواق للحد من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم والتي ستستغرق بعض الوقت.