هل يعصف العبث السياسي بانتخابات ليبيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أسخف تمارين العبث السياسي أن تجد نفسك أمام مشهد كل طرف فيه يحاول أن يتذاكى على الطرف الثاني، ليقنعه بأنه قادر على قلب الطاولة عليه، وأن يتم ذلك بين عدد ضئيل من الشخصيات التي لا يهمها أن تكون قد اختطفت إرادة شعب أو أساءت إلى مصالح دولة، ولكنها تفكّر بالأساس في مصالحها الخاصة والفئوية، وتستفيد من غطاء دولي وفّرته آليات قريبة من لعبة شد الحبال يديرها أشخاص يبدون على وشك فقد عقولهم من وطأة ما يصادفهم يوميا من مستجدات صادمة وغير منتظرة.
عندما خرج وفدا مجلس النواب ومجلس الدولة الليبيين إلى وسائل الإعلام قبل أيام في العاصمة المغربية الرباط ليؤكدا أن البلاد تتجه إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر، وأن على الشعب أن يستعد لهذا العرس الديمقراطي، رحب العالم بذلك، وقال أكثر المراقبين تشاؤما: يبدو أننا أخطأنا تقدير الأمور، وأن علينا أن نتفاءل خيرا، كنّا نعتقد أن أعضاء الوفد سيتصارعون في ردهات الفندق الضخم الذي اجتمعوا فيه لا أن يخرجوا علينا والبسمات تعلو وجوههم وأخبار التوافق تخرج من أفواههم لتعصف بجميع الأحكام المسبقة.
الحقيقة، أن التوافق لم يحصل في الرباط لأن الوفدين لم يتطرقا أصلا للقضايا الخلافية، والسبب أن السفير الأميركي المبعوث الخاص لبلاده في ليبيا ريتشارد نورلاند كان حاضرا هناك، وعندما تحضر الولايات المتحدة، يتظاهر كل طرف بأنه لا يقبل أن يلوي العصا في يدها.
بعد يومين، كان المئات من ميليشيات “بركان الغضب” الموالية لحكومة عبدالحميد الدبيبة، قد خرجت في مظاهرة بمطار طرابلس الدولي الذي تم تخريبه وحرقه وإخراجه عن الخدمة في العام 2014، ثم أصدرت بيانا أعلنت فيه أنها لن تسمح أبدا بانتخابات رئاسية يترشح لها قائد الجيش (المتخلي مؤقتا عن منصبه) خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي، وهددت بأن في حال حصول ذلك ستغلق صناديق الاقتراع، وهي قادرة طبعا، فغرب البلاد لا يزال إلى اليوم تحت رحمة الميليشيات.
لم يأت أصحاب البيان بشيء من عندهم، فالإخوان وحلفاؤهم وأمراء الحرب ممن يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على ثورة فبراير، وبعض الزعامات الجهوية في مصراتة، ولوبيات الفساد، ومن يدورون في فلك الحكومة والمجلس الرئاسي لديهم نفس القناعات، وهناك من يشترطون تنظيم الانتخابات على مقاس مصالحهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية، ويرون أن انتخابات يترشح لها حفتر وسيف الإسلام لا يمكن أن تمرّ، حتى أن مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، قال في حديثه عن نتائج زيارته إلى طرابلس قبل أيام، إن المجلس الرئاسي والحكومة مترددان في ما يتعلق بانتخابات ديسمبر، والرئيس محمد المنفي أشار إلى مبادرة سيطرحها في مؤتمر استقرار ليبيا في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري تقضي بأن يتنازل بعض الأفراد المثيرين للجدل عن حقهم في الترشح، وقال مجلس الدولة إنه لن يقبل تنظيم الرئاسيات وفق قانون انتخاب الرئيس الصادر في التاسع من سبتمبر الماضي عن مجلس النواب، وبدأت تحركات لإعادة تنشيط الدائرة الدستورية لنقض أحكام القانون، في حين كانت هناك مؤشرات من أطراف أخرى على أن يتم الضغط بقوة من أجل التوصل قبل نهاية أكتوبر إلى قرار بتأجيل الانتخابات الرئاسية والاكتفاء بالانتخابات البرلمانية.
في اليوم الموالي لمسيرة “بركان الغضب”، عقد مجلس النواب جلسته التي أقرّ فيها قانون الانتخابات البرلمانية، وكان من بين بنوده تأجيل تلك الانتخابات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية بثلاثين يوما، على أن تتزامن مع الدور الثاني للرئاسيات في حال الاضطرار إلى تنظيمها إذا لم يفز أحد المترشحين بالأغلبية المطلقة في الدور الأول، وهذا يعني ببساطة أن تأجيل الانتخابات الرئاسية أو عدم توفير المناخ الملائم لتنظيمها سيقابل بالحيلولة دون تنظيم الانتخابات التشريعية، وبقاء الوضع على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى، وبالتالي فإن على من ينوون عرقلة انتخاب الرئيس في الغرب أن يتقبلوا عرقلة انتخاب البرلمان من الشرق.