الخاسر الأكبر في انتخابات العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أدقّ ما يمكن أن توصف به النتائج التي جاءت بها الانتخابات العامة العراقية التي جرت يوم العاشر من الشهر الجاري، أنها جاءت حافلة &"بالمفاجآت الصادمة&"، لكنها إضافة إلى ذلك من شأنها أن تدفع بالعراق نحو متاهة من المشاهد المستقبلية المراوغة المفعمة بالمخاطر. فالعراق كان يحلم بأن تكون هذه الانتخابات رافعة له نحو مستقبل أفضل، سواء في ملفات إدارة الحكم والسياسة داخل العراق، أو ملفات علاقاته الخارجية، وبالذات استقلالية وحرية الإرادة الوطنية، فجاءت النتائج بآفاق معاكسة لتطلعات العراقيين.
تعجل مقتدى الصدر الذي حصلت كتلته &"سائرون&" على 73 مقعداً، في استعداء المنافسين، خاصة من القوى الشيعية المنافسة، عندما وصف نتائج الانتخابات بأنها &"انتصار الشعب على الميليشيات...&"، وحذّر من التدخل في تشكيل الحكومة، وتعهد بمحاربة الفساد، وحصر السلاح بيد الدولة (ما يعنى تصفية &"الحشد الشعبي&")، ووضع حد للتدخلات الخارجية، ووصف كتلته &"سائرون&" بأنها كتلة &"لا شرقية ولا غربية&"، أي أنها مستقلة عن إيران وأمريكا، وأنها عازمة على أن تقود العراق نحو هذا التوجه.
فهل يستطيع الصدر؟ سؤال التعجيز هذا فرضته تفاصيل النتائج بمفاجآتها وغرابتها، كما فرضته ردود فعل القوى الأخرى، الشيعية على وجه الخصوص، العازمة على فرض خيار تغيير نتائج الانتخابات بشتى السبل، باعتبارها نتائج &"مفبركة&"، وأنها &"مفروضة من الخارج&"، أي الحيلولة دون تمكين مقتدى الصدر من التفرد بتشكيل الحكومة الجديدة، وربما عزله بعيداً عن هذه المهمة بشكل كامل عبر فرض خيار &"الكتلة الأكبر&" داخل البرلمان من خلال عمليات تحالفية برلمانية تفوق &"كتلة سائرون&" التي لم يصل خطابها إلى مستوى &"المشروع السياسي&" الذي يأمله العراق ويطمح إليه.
جاءت الانتخابات بنتائج صادمة أبرزها التفوق الكبير لكتلة الصدر مقابل التراجع المفجع لكتلة &"الفتح&" بزعامة هادي العامري، أي أن الطرفين البارزين المتصارعين داخل التيار الشيعي المسيطر على السياسة والحكم في العراق منذ بدء العملية السياسية التي فرضت بالاحتلال الأمريكي للعراق، صعد أحدهما، وانهار الآخر، وهذا الآخر الذي انهار ولم يحصل على أكثر من 16 مقعداً في البرلمان الجديد حسب النتائج الأولية المعلنة بعد أن كان له في البرلمان السابق 48 مقعداً، يملك القوة العسكرية &"الحشد الشعبي&" القادر على إحداث انقلاب في كل المعادلة، والمدعوم علانية من إيران التي لن تقبل أبداً بخسارة الساحة العراقية التي تعد ركيزة محورية في مشروعها الإقليمي.
إلى جانب هذه المفاجأة الصادمة، صعد تيار &"دولة القانون&" (حزب الدعوة) بقيادة رئيس الحكومة الأسبق نورى المالكي الذي حل في المرتبة الثالثة في نتائج الانتخابات ب37 مقعداً بعد &"تكتل تقدم&" (السني) بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق، وحل في المرتبة الثانية بعد تكتل &"سائرون&" بزعامة الصدر. وهذا يعنى عودة جديدة لنوري المالكي كي يفرض نفسه على رأس تكتل شيعي مناوئ لتيار الصدر، أي أن المالكي لديه فرصة قوية للعودة مجدداً للمنافسة على رئاسة الحكومة الجديدة بتشكيل كتلة شيعية برلمانية صلبة تجمع كل الأحزاب والكتل الشيعية داخل البرلمان، ثم يتجه عبرها لمخاطبة الكتلتين السنية والكردية لتأسيس كتلة انتخابية كبرى تفوق كتلة مقتدى الصدر، ومن ثم تشكيل الحكومة وعزل الصدر وتياره، وتفريغ الانتخابات من نتائجها.
هذا الاستنتاج يدعمه تأسيس ما يسمى ب&"الإطار التنسيقي&" الذي يضم القوى الشيعية المنافسة لتيار مقتدى الصدر، خصوصاً &"تحالف الفتح&"، وائتلاف رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي &"تحالف النصر&" الذي أعلن رفضه القاطع لنتائج الانتخابات، ومن ثم أضحى أكثر تهيؤاً لقبول التحالف مع المالكي نكاية بالصدر، وبمصطفى الكاظمي المتهم من جانبهم ب&"تزوير الانتخابات&" لمصلحة الأمريكيين.
هذا يعني أن العراق في طريقه لأن يتجه من الصدمة إلى المتاهة، أي الأفق الغامض، وربما المخيف لما بعد إعلان نتائج الانتخابات، حيث يرجح أن ينخرط العراق في متاهتين؛ متاهة إسقاط نتائج الانتخابات كما يهدد الخاسرون، أو القبول بها كما يطمح الفائزون، ومتاهة تشكيل &"الكتلة الكبرى&" داخل البرلمان التي ستُكلف بالتالي بتشكيل الحكومة.
المتاهتان تهددان العراق بالفوضى وعدم الاستقرار، فالسلاح في يد الخاسرين، والعداء الشديد لهؤلاء الخاسرين قد يدفعهم لخوض صراع مرير حول الأسس القانونية لتشكيل &"الكتلة الأكبر&" التي ستكلف بتشكيل الحكومة، هل هي الكتلة التي حصلت على أعلى الأصوات، أم تلك القادرة على تشكيل تحالف برلماني كبير؟ مثل هذا الصراع يفتح أمام العراق مشهدين، كل منهما أسوأ من الآخر بالنسبة لطموحات الإصلاح والتغيير: إما نجاح المالكي في تشكيل &"الكتلة الكبرى&"، ومن ثم تشكيل الحكومة، وإما اضطرار مقتدى الصدر للدخول في تحالف موسع مع هؤلاء لتشكيل الحكومة، وفي الحالتين سيكون الإصلاح، ومعه العراق، هو الخاسر الأكبر.