ليست فلسطين بل هي حماس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في ثنايا المسعى المصري إلى إقامة هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة حماس، اعتراف ضمني بأن ما يقع في غزة ليس جزءا من صراع مأساوي تم إدراجه تحت اسم القضية الفلسطينية.
تلك قضية شعب هُجر من أرضه التي تم الاستيلاء عليها من قبل غرباء، ليكونوا مادة لدولة معادية لمحيطها وغريبة في إقليمها، بالرغم من أنها تحولت بعد أكثر من سبعين سنة على إنشائها عرابة للكثير من المعادلات الإقليمية.
“القضية الفلسطينية” هي العنوان الشامل لتلك المأساة التي لا يزال البعض يعتقد بإمكانية تذويبها وتمييعها والتفريق بين جانبها الإنساني وتجلياتها السياسية، بحيث يُسمح بأن تكون الإجراءات الأمنية أهم من الحقائق الوجودية ومنها على سبيل المثال حق العودة.
حين ظهرت حماس لم تكن جزءا من تركيبة منظمة التحرير الفلسطينية، ولا تصلح أن تكون كذلك، فهي حركة تجمع بين ما هو ديني وما هو سياسي. كما أن ارتباطها العقائدي بالخارج كان لا يسمح لها بإقامة تفاهمات مع سواها من الفصائل المقاتلة. لذلك فقد كان انفصالها هو الوجه الحقيقي الذي لا يمكن إخفاؤه أو التستر عليه.
الأمر كله يتعلق بالمشروع السياسي للحركة الذي لم يكن وطنيا بالرغم من أن تحرير فلسطين هو الشعار المعلن. قبل أن يقع الخلاف بينها وبين حركة فتح، كانت حركة حماس قد لغمت الأجواء بأفكار تجاوزها الواقع السياسي الفلسطيني، بالرغم من أنها لا تزال قادرة على إثارة العواطف مثل شعار “من النهر إلى البحر” وسواه مما يتعلق بفلسطين التاريخية.
شكلت حركة حماس يومها نوعا من النداء الإنساني بالنسبة إلى الغاضبين من أوسلو ورعاتها الفلسطينيين. كانت الاتفاقية التي صغُر بسببها حجم الرئيس ياسر عرفات، بحيث تحوّل من زعيم تاريخي إلى حاكم مقاطعة لا تتمتع بأي نوع من السيادة، تقع خارج الخيال الشعبي الفلسطيني الذي تشكل عبر مزيج من المعاناة الإنسانية والكفاح المسلح.
لقد شعر الفلسطينيون أن القيادة أهدرت الزمن العزيز الذي ناضلوا فيه من أجل الحفاظ على هويتهم وعدم التخلي عن حقوقهم، بل ونجحوا من خلاله في إغناء المحيط العربي بكفاءات ومواهب نادرة كان لها أثرها في تشكيل وعي ثوري عربي.
"حماس" مثلها في تبعيتها للحرس الثوري الإيراني مثل “حزب الله” في لبنان و”الحوثيين” في اليمن و”الحشد الشعبي” في العراق
غير أن حركة حماس بسبب مرجعيتها العقائدية لم تكن هي الرد المناسب وطنيا على أوسلو. بقدر ما مثلت استنزافا للجهد الفلسطيني عبر عنه الانقسام الذي سعت إلى تحقيقه بالسلاح، حيث صار الفلسطيني في حيرة من أمره. هل يقف مع حركة المقاومة الإسلامية أم ضدها؟
إن وقف المرء معها فسيكون عليه أن يكسر البوصلة الوطنية الفلسطينية، وإن وقف ضدها فسيكون كمَن يشهر عداءه للمقاومة. ليست حماس وحدها مسؤولة عن ذلك الوضع الشائك والمعقد. تشاركها سلطة رام الله المسؤولية، بل قد تكون هي التي مهدت لكل ما شهدته القضية الفلسطينية من انهيارات صبت تداعياتها في مصلحة المشروع الاستيطاني الصهيوني.
غير أن حركة حماس التي تعارض اتفاقيات أوسلو لم تقرّب بين الفلسطيني وقضيته، بل وسّعت الهوة بينهما حين كانت ومنذ بدء نشأتها عبارة عن واجهة مسلحة لإيران. وبهذا تكون قد فعلت الأسوأ حين استبدلت المشروع الصهيوني بالمشروع الإيراني. وما يقوله الإيرانيون عن جيش لهم اسمه حماس لا ينطوي على أي نوع من المبالغة.
"حماس" مثلها في تبعيتها للحرس الثوري الإيراني مثل “حزب الله” في لبنان و”الحوثيين” في اليمن و”الحشد الشعبي” في العراق. وحين أدار إسماعيل هنية حربه الأخيرة ضد إسرائيل من الدوحة، فإنه كان يتلقى الأوامر مباشرة من طهران.
لذلك فإن أي حوار غير مباشر ترعاه مصر بين إسرائيل وحماس لا بد أن تكون إيران طرفا فيه، بل هي الطرف الأكثر تأثيرا. ما ترغب فيه وتأمله إيران تنفذه حماس بالحرف الواحد حتى لتكاد تكون ساعي بريد بين عدوين تمثل هي أحدهما في الخصومة.
حماس في نزاعها مع إسرائيل تمثل إيران ولا علاقة لها بالقضية الفلسطينية. يمكن النظر إليها على أساس كونها ميليشيا إيرانية مسلحة تعمل في إطار نزاع إقليمي، صار من الواضح أن توريط الفلسطينيين فيه ضروري من أجل أن تتسع دائرة الهيمنة الإيرانية وتبدو إيران في حجم لا ينسجم مع حجمها الحقيقي. فإيران وهي راعية عصابات وممولة فرق موت لم تعد تتحدث عن حدودها الجغرافية بل عن حدود انتشارها العقائدي.
لذلك فإن الموقف المصري وإن كان ينطوي على شيء من الحنكة السياسية غير أنه لا يصب في مصلحة القضية الفلسطينية. لقد حلت حماس محل فلسطين ولم يعد في الإمكان مساءلة إسرائيل عما تفعله بالفلسطينيين شعبا وأرضا.