الديمقراطية المختلف عليها في الغرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كان يمكن لتقرير &"المعهد الدولي للديمقراطية&" في استوكهولم الذي صدر قبل أيام، أن يمر وكأنه جهد ذاتي من المعهد، وهو التقرير الذي يعلن فيه &"تراجع الديمقراطية في العالم&". أما وقد توالت من قبل صدوره، دراسات من أكثر من ست مؤسسات بحثية وصحفية في الولايات المتحدة وأوروبا، وكلها تعلن نتائج جهودها متفقة على نفس الكلمات القائلة إن الديمقراطية تتراجع في العالم، فإن الأمر يدعو للتأمل، خاصة وأن دولاً كالولايات المتحدة، ودول أوروبية أخرى، تعرّف نفسها بأنها قلاع الديمقراطية المكتملة، وبالتالي تطالب الآخرين بأن يحذوا حذوها.
تقرير معهد استوكهولم يكشف عن أن 70% من سكان العالم يعيشون الآن في أجواء لا توصف بأنها ديمقراطية، وأن دولاً كبرى ومتقدمة تشهد ردة عن الديمقراطية، في مقدمتها الولايات المتحدة. وإذا تأملنا ما أوردته مراكز دولية أخرى، نجد أن مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، نشر دراسة استخلص محتواها من كتاب عنوانه &"تراجع الديمقراطية&"، لمؤلفه جوشوا كير لينتزاك، يقول: إن معظم النظريات السياسية افترضت منذ انتهاء الحرب الباردة، أن الدول عندما تتطور اقتصادياً، فإنها تصبح أكثر تقدماً في ممارسة الديمقراطية، خاصة إذا صاحب ذلك انتعاش الطبقة الوسطى، لكن ذلك كله صار الآن محل تساؤل.
ونجد &"معهد فريدوم هاوس&" ينشر دراسة عنوانها &"الديمقراطية تتراجع&"، ويقول: إن المؤشر العالمي للحريات، سجل في عام 2018 هبوطاً في الحريات في مختلف مناطق العالم.
وجاء عنوان دراسة نشرتها مجلة &"إيكونوميست&" البريطانية قائلاً: الديمقراطية في العالم هي في عام سيئ لها. وأن الديمقراطية واصلت الهبوط في العالم في عام 2020، وأن تلك النتيجة استندت إلى إجابات عن 60 سؤالاً من خبراء، ومن مواطنين عاديين.
نفس العنوان &"الديمقراطية تتراجع عالمياً&"، جاء على موقع &"بوليتكو&" الأمريكي، وقال: إن التراجع يحدث على مستوى العالم، بما في ذك أجزاء من أوروبا. وإن مؤشر بعض سكان العالم يعيشون في ظروف يمكن أن توصف بالديمقراطية الكاملة، وأن الولايات المتحدة التي كانت قد صنفت في عام 2016 على أنها هبطت من كونها توصف بالديمقراطية الكاملة، إلى الديمقراطية الناقصة.
الكاتبة جنيفر روبن ذكرت في مقالها بصحيفة &"الواشنطن بوست&" تحت عنوان &"الديمقراطية تتراجع في أوروبا&"، إن من مظاهر التراجع، موقف البعض في أوروبا ضد المهاجرين المسلمين، وهو ما أحدث انقساماً في دول ديمقراطية.
وبشكل عام فإن هذه الدراسات تطرقت إلى موضوع الديمقراطية من زوايا متعددة، منها موضوع العلاقة بين الأحزاب السياسية والديمقراطية، باعتبار أن القاعدة التقليدية في الغرب تقول إن وجود الأحزاب يعد شرطاً أساسياً لوجود الديمقراطية. وأن الأحزاب السياسية لا غنى عنها، فهي تخلق الروابط الاجتماعية والسياسية بين أعضائها، وتلاقيهم حول موقف مشترك مستند إلى فلسفة الحزب وإن تفاوتت الآراء حول التفاصيل.
ثم ظهر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في تحرك مواز ومهدد لدور الأحزاب. وهو ما تناولته دراسة البروفيسور هيلين مرجريت بجامعة لندن &-عن التراجع عن الديمقراطية في عام 2021&- وتقول إن هذه الوسائل الحديثة أوجدت شريكاً جديداً ونشطاً داخل دائرة عمل الأحزاب السياسية.
ثم كانت الزاوية المستجدة التي شاعت في العامين الأخيرين، من تأثير الإنترنت على النتائج السياسية، التي تنتقص من الديمقراطية؛ حيث لاحظ مراقبون تحول أعداد كبيرة من الناخبين في دول ديمقراطية إلى ناحية تأييد من وصوفوا بالسياسيين الشعبويين، وبعضهم كانت لهم توجهات شمولية في الفكر والممارسة.
ولوحظ في العامين الأخيرين، حصد أحزاب يمنية شعبوية لأصوات الناخبين، ففي فرنسا حصدت ماري لوبن في انتخابات الرئاسة 34% من الأصوات. وفي سبتمبر 2017 حصل &"حزب البديل لألمانيا&" وهو اليميني المتشدد على 12% من الأصوات، ودخل البوند ستاج (البرلمان) لأول مرة، حاملاً برنامجاً ضد الهجرات إلى ألمانيا، وفي عام 2017 حصل &"حزب الحرية&" اليميني في النمسا على 26% من الأصوات، وشارك في الائتلاف الحاكم. نفس الشيء حدث في بلغاريا، وهولندا التي أصبح فيها &"حزب الحرية&" المعادي للمسلمين أكبر ثاني حزب في البرلمان.
وكانت أعداد المصوتين للأحزاب الشعبوية قد قفزت في نهاية القرن العشرين من 7% إلى أكثر من 25%.
البعض من الخبراء الذين تابعوا هذا الصعود يفسرون ذلك بأنه رد فعل لواقع يرفضونه أكثر منه فعل قائم على فلسفات محددة، وقالوا إن الدول التي تحكمها هذه الأحزاب لم تكن قدراتها قوية في شؤون إدارة الدولة؛ حيث إنها كانت الأسوأ في التعامل مع وباء كورونا. وأن موقفها في الأصل راجع إلى الكساد، والأوضاع الاقتصادية، والهجرات التي يرفضونها، وإن ما يسهم في صعودهم، هو دور حملاتهم المكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي.