الدعم والتضخم والنمو وأوميكرون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"الثقة بالاقتصاد العالمي ضرورية جدا لمواجهة أي تداعيات من المتحور الجديد"
كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي
المواقف متباينة في الأوساط الاقتصادية حيال المتحور الجديد أوميكرون في بعض الدول. ورغم أن هذا المتحور الذي وصف بأنه سريع الانتشار، إلا أن الخبرات التي تراكمت على مدى عامين تقريبا في مواجهة وباء كورونا تسهم حقا في الحد من تأثير المتحور المشار إليه، إلى جانب طبعا، أنه لا يزال تحت السيطرة، وإن أحدث إصابات هنا وهناك. لكن إذا ما استمرت وتيرة انتشار أوميكرون بزخمها الراهن، فإن الأمور تتجه إلى مسارات ضيقة بالنسبة لانفراج الاقتصاد العالمي، وتحديدا على صعيد النمو الذي شهده العالم أجمع تقريبا منذ مطلع العام الجاري. ففي العام الحالي تمكن هذا الاقتصاد من القفز فوق الانكماش الذي ساد العام الماضي، وحقق نموا كبيرا، على أن يتراجع إلى مستويات أقل في العام المقبل.
يمكن لأوميكرون أن يكون بمنزلة مسبار اختبار لقدرة الاقتصاد العالمي على الصمود في وجه المتحورات أو المفاجآت الآتية من الجائحة الأصلية. مع الأخذ في الحسبان المدة الزمنية القصيرة الفاصلة بين مرحلة انتهاء الانكماش الذي ساد العام الماضي، وحال النمو في الوقت الراهن. نحن نعلم أن الاقتصاد العالمي لا يزال هشا، وسيبقى بهذه الوضعية إلى عامين على الأقل، خصوصا في ظل الضغوط الكبيرة الآتية من التضخم والديون الحكومية والبطالة وغير ذلك من عوامل سلبية مؤثرة، لكنه في الوقت نفسه قادر على الصمود إذا ما استمرت السياسات الحكومية التي تم اعتمادها بفعل تفشي وباء كورونا، وحافظت حزم التيسير على مساراتها، مع الأخذ في الحسبان الضغوط التي تتعرض لها الحكومات من أجل الحد من عمليات التيسير هذه.
في الواقع لا يمكن لأي حكومة أن تمضي إلى ما لانهاية في المحافظة على حزم الإنقاذ التي اعتمدتها، لكن المشكلة تكمن في أن الساحة لا تزال مضطربة على صعيد السلالات الجديدة لكورونا، ما يؤدي حتما إلى عودة بعض القيود للحراك الاقتصادي العام هنا وهناك. ففي أوروبا، مثلا، أعلنت هولندا إغلاقا كاملا، وعاد بعض القيود على الحركة بين دول الاتحاد الأوروبي، في حين تفكر الحكومة البريطانية في إلغاء احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة، بما في ذلك حظر التجمعات العائلية. أي: إن العالم ربما يتجه إلى إغلاقات واسعة جديدة. وهذا ما يفسر قيام وكالات تصنيف ائتماني رئيسة بخفض توقعاتها للاقتصادات الغربية، وفي مقدمتها الاقتصاد الأمريكي، الذي يعاني أعلى مستوى للتضخم منذ أكثر من ثلاثة عقود.
يمكننا الثقة بالاقتصاد العالمي، إذا ما واصل الصمود في مواجهة المشكلات الطارئة، ولا سيما تلك التي لم يتوقعها أحد. وهذا الصمود يتطلب في الواقع قوة سياسية داعمة له، بعيدا عن التجاذبات الحزبية، خصوصا في الدول الغربية. ففي الأزمات الكبرى تمثل الخلافات السياسية أداة أخرى جديدة لتعميق المشكلات. والخطوة الأهم الآن، ترتبط مباشرة بالإبقاء على أعلى وتيرة للحراك الاقتصادي، دون الاضطرار إلى الإغلاق الكامل. فالنمو هو أول ضحايا تشديد قيود الإغلاق والسفر، ولا سيما في الدول المتقدمة. وفي الأشهر الماضية، شهد قطاع السفر والسياحة خصوصا نقلة نوعية، وانتعش بالفعل منذ اليوم الأول لتخفيف القيود المشار إليها. والنمو يبقى المؤشر الأهم، ليس فقط للازدهار الاقتصادي؛ بل للبيئة الصحية العامة على المستوى الدولي.
هل يمكن للحكومات تحمل معدلات تضخم مرتفعة نتيجة التأثيرات السلبية المتوقعة لأوميكرون إذا ما انتشر بصورة أوسع؟ الإجابة السريعة عن هذا السؤال هي النفي، لكن الواقع يفرض عليها أن تتعايش مع معدلات تضخم عالية، فلا توجد خيارات في هذا المجال. فمستويات التضخم في العالم تبلغ في المتوسط 5.3 في المائة، وفقا لبيانات "بلومبورج"، وهي مرتفعة في كل الدول دون استثناء. ويخشى الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، أن يصل التضخم إلى أكثر من 5 في المائة العام المقبل، بعد أن بلغ في الشهر الماضي 4.9 في المائة مرتفعا من 4.1 في المائة في الشهر الذي سبقه. وسجل في بريطانيا الشهر الماضي 5.1 في المائة مع مخاوف أن يقفز إلى ما فوق 6 في المائة مطلع العام المقبل.
مشكلة التضخم صعبة في كل الأوقات، خصوصا في ظل وجود اضطراب اقتصادي عالمي. وليس أمام الحكومات إلا الإبقاء على وتيرة الدعم، والتردد الدائم في الإقدام على رفع الفائدة، للإبقاء على مسار انسيابي لما يمكن وصفه باستراتيجية التيسير المالي. المتحور الجديد أوميكرون يمكن مواجهة تداعياته الاقتصادية برفع مستوى التحمل، ولا سيما إذا اضطر الأمر لإغلاقات جزئية أو كاملة. فالنمو سيأتي في النهاية، لكنه يحتاج إلى بيئة صحية حاضنة له. ويمكن للحكومات مواجهة الآثار السلبية الناجمة عما يمكن اعتباره الإنفاق الطارئ عبر رفع مستوى النمو في المرحلة المقبلة، وطرح مبادرات التحفيز المختلفة، وجذب الاستثمارات، وغير ذلك من أدوات. والأهم أن تكون الاقتصادات الوطنية راكمت فهم الدروس التي جلبتها الجائحة العالمية الخطيرة.