الوصفات الجاهزة.. طريقك نحو الفشل!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كم تتوقع أن يكون عدد المليونيرات حول العالم لو كانت قراءة كتب الثروة تجعلنا أثرياء بالفعل؟!.. وكم شركة مثل أمازون، وعلي بابا، وأبل ستكون لدينا لو كانت قراءة السير الذاتية لمؤسسيها تبني حقاً شركات ناجحة؟!.
كلنا وقعنا في مرحلة من حياتنا في حبائل تجّار الوصفات الجاهزة من مؤلفي كتب السِير، ومحاضري التنمية الذاتية، الذين سطّحوا لنا الأمر كثيراً، وأوهمونا أن الانضمام إلى نوادي العظماء والأثرياء أسهل من شرب (كاسة موية)، وأن هذه العضوية هي السبيل الوحيد لتحقيق السعادة والنجاح.. والأدهى أن تجارتهم تلك لم تخرج عن تكريس بعض الصور النمطية الساذجة، وقوالب التوصيات المعلّبة التي كسرت من حيث أرادت أن تجبر!.
من السهل جداً تطبيق المعادلات والوصفات الجاهزة على التقنية، أو في البيئات ذات الطبيعة العلمية الصارمة، لكن من الصعب تطبيقها على البشر، فالمعطيات مختلفة، وأطراف المعادلات متفاوتة بين الناس تبعاً لظروفهم وقدراتهم وثقافاتهم.. فعندما تقول لشخص على سبيل المثال: &"لا تعمل في مكان لا تحبه، لأن فلاناً نجح بعد أن ترك وظيفته&"، فأنت في الواقع لا تساعده ولا تقدم له حلاً، بل إنك قد تدمّره، لأنك تجاهلت حقائق ومعطيات مهمة على أرض الواقع عن ظروف الشخص ووضعه المالي والاجتماعي، وعن الوضع الاقتصادي العام في البيئة التي يعيش فيها، فما ينجح في بلد ليس بالضرورة ان ينجح في بقية البلدان. لذلك من الذكاء أن تكون مدركاً لخطورة من يُعمم تجاربه الخاصة على ملايين البشر، طالباً أن يفعلوا الشيء نفسه دون أدنى اعتبار للفروق المحتملة.
يقول الكاتب آلان دو بوتون: إذا ذهبت إلى مكتبة ونظرت إلى قسم تطوير الذات، فستجد نوعين من الكتب.. الأول هو كتب تُخبرك كيف تكسب مليون دولار في يوم واحد!!، أما النوع الثاني فهي كتب تُخبرك كيف تتعامل مع ما يُسمَّى بالنظرة الدونية للذات!، والنوعان مرتبطان جداً.. فإذا كنت تعيش في ثقافة تضغط عليك يومياً لتكسب مليون دولار، فبالتأكيد سيكون لديك مشكلة هائلة في تقدير ذاتك التي لم تنجح في ذلك حتى الآن!.. ويشرح الكاتب فكرته أكثر بالقول: معظمنا لديه حياة عادية من المفترض أنها كافية وجميلة، لكننا نفسدها للأسف عندما نُحقّرها وننظر لها على أنها غير كافية، بل يجب أن نكون خارقين للعادة، وهذا في الواقع نوع من التعذيب الذي نُسلِّطه على أنفسنا، ويقود الذات نحو الكارثة.
إن قراءة كتاب من تأليف مليونير لن يجعلك مليونيراً مثله، تماماً كما أن مشاهدة فيديو لتمرين رياضي لن يجعلك لائقًا بدنياً، وحتى نكون منصفين، قد تساعدك بعض نصائح الناجحين في حياتك العملية، لكنهم بالتأكيد لن يشقوا الطريق نحو النجاح المالي أو الإداري أو الاجتماعي في الحياة بدلاً عنك. لذلك من الضروري أن تكون ذكياً في عدم القسوة على نفسك.. وملاحظة الفروقات، ومراعاة اختلاف البيئات والظروف الشخصية والمجتمعية، وما تتطلبه من تعديلات وإعادة نظر.
أَقْلِل من استهلاك المحتويات والتوصيات الجاهزة.. واعتمد بنسبة 80٪ على ذاتك وعلى ثقافتك وتجربتك الشخصية، وتذكر دوماً أن الكتب ومواد التنمية الذاتية، بما تحوي من تجارب، هي مواد تجارية في المقام الأول.. قد تمنحك بعض الإضاءات، وقد تحفزك على اصطياد سمكة النجاح، لكنها لن تصطادها بدلاً عنك.. ذلك لأنك بكل بساطة شخص مختلف، يحمل سنارة مختلفة، ويقف على شاطئ مختلف، في وقت وظروف مختلفة.