شراكة الإمارات والهند تدعم ريادة الأعمال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دشنت دولة الإمارات وجمهورية الهند حقبة تاريخية جديدة من التعاون المشترك عبر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تمثل علامة فارقة في الجهود المبذولة في سبيل تعزيز التعاون الاستراتيجي مع هذه الدولة الصديقة التي تربطنا بها علاقات تاريخية ممتدة وتجمعنا معها رؤى مشتركة للمستقبل، فضلاً عن أن توقيع هذه الاتفاقية يترجم علاقاتنا الاستراتيجية القوية مع جمهورية الهند التي تعد من أسرع الأسواق نمواً في العالم.
وتتسم هذه الاتفاقية بأهمية كبرى بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، إذ تمهد لعصر جديد من شأنه أن يدفع عجلة نمو الشركات الناشئة عن طريق دعم ريادة الأعمال وخفض تكاليف تدفق البضائع والخدمات بين اقتصادات البلدين.
وتأتي هذه الاتفاقية لتذكرنا بماضي دولتنا العريق، فنحن نعيش في دولة بُني اقتصادها قديماً على أسس أرساها رواد أعمال احترفوا التجارة ساهموا بشكل كبير في تحول الدولة إلى مركز تجاري رئيسي يربط الشرق بالغرب وبوابة لتدفق السلع عبر أسواق المنطقة والعالم. وأما في الوقت المعاصر، تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة ركيزة أساسية لاقتصادنا الحديث القائم على المعرفة، إذ يمثل هذا القطاع 95٪ من الشركات العاملة في دولة الإمارات ويساهم بأكثر من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
وتعتبر البيئة الاقتصادية في دولة الإمارات الأنسب عالمياً لريادة الأعمال وبدء النشاطات التجارية، حيث احتلت الدولة المرتبة الأولى عالمياً في المؤشر العالمي لريادة الأعمال 2022 حسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM)، متفوقة في الأداء على اقتصادات ريادة الأعمال الكبرى عالمياً مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية. علاوة على ذلك، فقد شهد العام الماضي تسجيل رقم قياسي في قيمة تمويل رأس المال المخاطر (Venture Capital)، حيث تمكنت الشركات الناشئة التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها من جمع 1.2 مليار دولار، أي ضعف ما تم جمعة خلال عام 2020، مرسخة بذلك مكانة الإمارات باعتبارها مركزاً إقليمياً لجذب الاستثمار، ووجهة لرواد الأعمال الطموحين الباحثين عن التوسع وتحقيق أحلامهم.
وفي ظل ما تشهده دولة الإمارات حالياً من توسع مستمر لترسيخ مكانة الدولة في مجال ريادة الأعمال، إلى جانب مساعيها الدائمة لوضع أسس اقتصادية حديثة تدعم الشركات الناشئة، فإن أي اتفاقية للشراكة الاقتصادية الشاملة تبرمها الدولة لا يمكن أن تكتمل دون التطرق للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمكينها من التوسع والنمو.
وفي هذا السياق، تغطي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند نطاقاً واسعاً من الأعمال، يشمل السلع والخدمات، والاستثمار، والملكية الفكرية، والتجارة الرقمية، وحماية البيانات. وعلى صعيد آخر، ستوفر الاتفاقية منصة رائدة تتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في دولة الإمارات فرصة النمو والتوسع نحو أسواق جديدة، مع تعزيز سرعة الوصول إلى العملاء وشبكات الأعمال وفتح مجالات أرحب للتعاون.
على ضوء ما سبق، تشير التقديرات الأولية إلى أن الاتفاقية مع الهند سترفع التجارة البينية غير النفطية إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في غضون خمسة أعوام، ولا شك أن زيادة النشاط الاقتصادي الثنائي سيكون لها فوائد اقتصادية بعيدة المدى، حيث سترتفع الصادرات الأجنبية بشكل كبير وسيجد مجتمع الأعمال في البلدين فرصاً جديدة في كل من القطاعات التقليدية وصناعات المستقبل. أما بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة في الهند والإمارات، فسيكون هناك آفاق جديدة للتوسع بالتجارة والأعمال.
كل ما سبق يؤكد قناعتنا بأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة ستشكل بداية لحقبة جديدة من ريادة الأعمال، حقبة تستند إلى الازدهار الاقتصادي المشترك الذي تشهده مدن وحواضر الدولتين الصديقتين، وتفتح آفاقاً جديدة للطموحين والموهوبين وأصحاب الأفكار الخلاقة ضمن مجالات الأعمال المتنوعة وقطاعات اقتصاد المستقبل مثل علوم الفضاء إلى التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والتجارة الإلكترونية. إنها باختصار ستوفر دعماً كبيراً للقطاع الخاص، وترسخ مكانة الدولة كمركز اقتصادي عالمي، وتضمن قدرة قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة على مواصلة دوره كمحفز للابتكار والنمو الاقتصادي الشامل.
تنطوي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة على الكثير من الفرص الجديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ ستعزز التعاون مع شركائنا في الهند للارتقاء بالخدمات التي تقدمها حاضنات ومسرعات الأعمال ومراكز دعم الصادرات والبنية التحتية التي تدعمها. كما سيتم إنشاء شبكة لتبادل المعارف والخبرات ومنح الشركات الصغيرة والمتوسطة حصة أكبر في التجارة العالمية.
من جانب آخر، تتماشى الاتفاقية مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فهي تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي لدعم الشركات والمؤسسات الناشئة المملوكة من النساء. كما تنطوي على آليات لتشجيع مشاركة الشباب في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال المبادرات والأنشطة والبرامج المشتركة، ومن شأن هذا الإطار الشامل أن يضمن توفير فرص أكبر للنساء والشباب وأن يعزز المساواة وفرص التوظيف، وبالتالي يشجع النمو الاقتصادي المستدام والشامل.
ولتمكين هذه الفرص، ستكون هناك لجنة مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة بقيادة الهيئات الداعمة لهذا القطاع في كلا البلدين. وتتمثل المهمة الرئيسية للجنة في تحديد فرص تعزيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدولتين، وتعظيم الفوائد التجارية. كما ستعمل اللجنة على استكشاف الطرق لزيادة تبادل المعلومات حول فعالية السياسات وأفضل الممارسات في تطوير منظومات الشركات الصغيرة والمتوسطة في اقتصاد البلدين.
ومن المقرر أن تجتمع اللجنة بشكل دوري لوضع توصيات حول سبل تعزيز التعاون وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على المشاركة في النواحي المتقدمة للاتفاقية، مثل التجارة الرقمية ونقل البيانات عبر الحدود. وستقوم اللجنة أيضاً بمراجعة وتحسين برامج التدريب، والتثقيف التجاري، والتمويل التجاري، والبعثات التجارية، وتسهيل العمليات التجارية، والتجارة الرقمية بهدف إيجاد شركاء ومستثمرين جدد في الهند وكذلك في الإمارات.
بالتوازي مع ذلك، سيتم العمل على تسهيل الوصول إلى رأس المال والقروض بهدف تحسين التدفق النقدي والسيولة والتمويل، الأمر الذي يسهل على الشركات الحصول على الدعم اللازم للتوسع عالمياً، إضافة إلى أن خفض الرسوم الجمركية أو إلغائها على أكثر من 80% من البضائع سيساعد على تخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الشركات المحلية، وسيساهم في تعزيز مكانة الإمارات مركزاً تجارياً ولوجستياً تنافسياً يجتذب المواهب والمستثمرين ورواد الأعمال.
كما أؤكد لكم، أننا أمام خطط نمو طموحة ولكن ترافقها تحديات متعددة. لذا حرصنا من خلال آليات محددة في الاتفاقية على تطوير محاور تمكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من النمو والاستفادة من الخبرات المختلفة للتوسع ومشاركة أفضل الممارسات لتطوير الشراكات التي ستتيح المجال أمام المزيد من النمو. وإنني أتطلع إلى رؤية المزيد من قصص النجاح وقصص التطور والنمو في هذه المؤسسات.
إننا نسعى من خلال هذه الشراكة إلى تقديم الدعم الكامل للشركات الصغيرة والمتوسطة. ولذلك دعا فريقنا التفاوضي إلى فصل خاص بالشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه الاتفاقية الأولى من نوعها. وإذ تواصل الإمارات مفاوضاتها التجارية مع إسرائيل وإندونيسيا ودول أخرى، سنحرص على تعزيز روح ريادة الأعمال في الدولة على مدى الخمسين عاماً المقبلة.
* وزير دولة لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة