جريدة الجرائد

لعبة نزع فتيل أزمة أوكرانيا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حتى اللحظة الأخيرة، ظلت الأجواء مشحونة بالتوترات، من دوي طبول الحرب، وتحذيرات من حرب عالمية قادمة، إثر توقعات بغزو روسي لأوكرانيا، إلى أن جاء القرار الروسي الأخير بالإعتراف باستقلال إقليمي لوغانسك ودونتسيك، الأمر الذي زاد الوضع تعقيداً.

كانت المفاجأة في مجيء هذه الخطوة من روسيا، والتي رصد البعض في أوروبا دوافعها، بأنها تتوافق مع خيارات الرئيس الروسي بوتين، ومن مكونات شخصيته السياسية، ممزوجة بخبراته المخابراتية السابقة.

ولم تفوت روسيا فرصة إظهار الغرب بخطأ تقديراته؛ حيث أعلن نائب المندوب الروسي بالأمم المتحدة أن مزاعم الحرب التي روج لها الغرب قد تكشف أنها غريبة ومثيرة للضحك.

ومنذ اشتعال الأزمة بين أمريكا وروسيا، ظل مسار التوصل إلى حل، يتسم بالبطء ويرجع ذلك إلى تغير قواعد اللعبة بين القوتين الكبيرتين، عما كانت عليه من قبل طوال سنوات الصراع الأمريكي السوفييتي والذي استمر لخمسين عاماً.

فهناك الآن شخصية بوتين ونظرته لبلاده، وللعالم؛ خاصة أمريكا، وهناك على الجانب الآخر تحول في مواقف وآليات صناعة القرار السياسي في الغرب عامة، وفي الولايات المتحدة خاصة.

في هذه الظروف تشكل لبوتين منطق تفكير سياسي، وأمني، تداخل مع نظرة الشعب الروسي تجاه الغرب، الذي يسعى للانفراد بوضع معايير أمن أوروبا، مستبعداً روسيا منها، مع أنها دولة أوروبية، وهو ما اعتبره الروس مؤثراً في أمن بلادهم القومي.

ولم يكن يغيب عن حسابات بوتين قلق الولايات المتحدة من تصاعد قوة الصين عالمياً، وتقديراتها لخطورة الدخول في مواجهة مع جبهتين في وقت واحد، وهو أيضاً يراقب حالة الانقسام داخل أوروبا، وشكوكها من أولوية أمن أوروبا لديها، من بعد تبنيها استراتيجية التوجه نحو آسيا.

وسط هذه الأجواء لم تنقطع الاتصالات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس بوتين، بطريقة تراوح فيها المواقف بين تحذيرات من وقوع حرب، لكن دون حرب، وحرص على البقاء بعيداً عن حافة الهاوية، فإن بايدن وصف اتصاله الهاتفي الأسبوعي الماضي مع بوتين باتصال الفرصة الأخيرة، ومحذراً بوتين من عقوبات ذات كلفة قاسية على روسيا، ثم تميل اللهجة إلى التهدئة، حين يصف مسؤول بالبيت الأبيض الاتصال بين بايدن وبوتين بأنه كان جيداً، وإن لم يسفر عن تغيير جوهري في الوضع المتأزم بينهما، وترد موسكو بتأكيد أن اتهامها بالتخطيط لغزو أوكرانيا هو من قبيل التكهنات الاستفزازية.

وتتوالى تقديرات قيادات أوروبية في تشخيص المواقف المتأزمة. فالرئيس الفرنسي ماكرون يصف هذا النزاع بأنه لن يكون فيه أي منتصر، وأن الخسارة ستطال الجميع. ويقول ماكرون: إننا كنا دائماً في حوار عميق مع الرئيس الروسي، وإننا نتحمل مسؤولية بناء حل تاريخي لمشكلة الأمن الأوروبي، وأعتقد أن الرئيس بوتين مستعد لذلك، وإن هدف روسيا ليس أوكرانيا؛ بل وضع قواعد للعلاقة مع حلف الناتو، ومع الاتحاد الأوروبي.

وكان ماكرون قد صرّح بعد اجتماعه الأخير مع بوتين في موسكو، بأن خفض التصعيد، هو بداية المسار الذي نريد أن نسلكه، وأن الحوار مع روسيا هو البديل الوحيد الذي يمكن أن يسمح بإقامة أمن حقيقي واستقرار للقارة الأوروبية ككل.

وبدا أن نظرة ماكرون تقترب إلى حد كبير من مطالب بوتين، بشأن تقدير مخاوف روسيا الأمنية من تمدد حلف الناتو ناحية حدودها بضم دول قريبة جغرافياً منها إلى الحلف، وهي المخاوف التي لم ترد أمريكا عليها بما يطمئن روسيا.

ويقترب كثيراً من تقييم ماكرون، ما أعلنه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، من أنه يحمّل الولايات المتحدة، وحلف الناتو، جزءاً من مسؤولية التصعيد؛ بل إن أوكرانيا ذاتها قد اعتبرت موقف روسيا، بأنه وسيلة للضغط النفسي، وليس مقدمة لحرب.

وكل ذلك يشير إلى أن تقديرات الحرب، والتهدئة، ظلت تراوح مكانها، من دون أن تفرض إحداهما نفسها على مسار الأزمة، ويتردد صدى الجانبين، في تحليلات إعلامية أوروبية تعلن أن من الجنون المجازفة بحرب بين القوتين النوويتين في العالم، وإن المسار الوحيد العاقل، هو السعي من أجل حل وسط ومعقول.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف