جريدة الجرائد

زيارة حميدتي إلى موسكو... أخطاء اللحظة الحرجة!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لعل من أغرب المفارقات التي يمكن أن يرصدها المراقب للوضع السوداني، توقيت زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، إلى موسكو في ظرف وضع روسيا اليوم تحت سمع العالم وبصره بسبب غزوها أوكرانيا، إذ تزامنت تلك الزيارة، التي استغرقت أياماً، مع اليوم الأول للغزو!

في تقديرنا، أنه ستكون لهذه الزيارة انعكاسات وتداعيات خطيرة على الوضع السوداني في أكثر من اتجاه، ليس لردود فعل المجتمع الدولي عليها، لا سيما الولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً ردود فعلها على العلاقة البينية بين الجيش والدعم السريع ضمن الوضع الانقلابي الحرج الذي تسبب فيه المكون العسكري بالانقلاب على شرعية المرحلة الانتقالية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

فمن ناحية، دلّت الاتفاقيات التي تم عقدها مع الجانب الروسي خلال هذه الزيارة بوضوح على أن هذه الزيارة تعكس مستوى أكبر، وتحيل إلى جانب خفي لتوظيف عناصر النظام السابق &- الإسلاميون &- (الذين أصبحوا اليوم أكثر تحللاً من أي أيديولوجيا سوى أيديولوجيا السلطة العارية، إذ جلب لهم المكون العسكري طوق النجاة عبر انقلابه المشؤوم على المرحلة الانتقالية، بالرغم من أن الإسلاميين أصبحوا عنواناً منبوذاً في المنطقة)، لا سيما إذا ما عرفنا أن من ضمن الوفد الوزاري المرافق لحميدتي، وزير المالية جبريل إبراهيم (وهو إسلامي ومن تلاميذ حسن الترابي)، ما يذكّرنا بزيارة الجنرال المخلوع عمر البشير الفاشلة عام 2018.

ومن ناحية ثانية، ترسل الزيارة في توقيت قاتل ومميت رسالة واضحة، بإرادة العسكر على البقاء في السلطة &- على الرغم من الانهيارات التي ينذر بها انقلابهم في 25 أكتوبر &- في وضع يعكس تماماً المصائر المتشابهة لعقلية نظام الإنقاذ السابق. وهذا مما يؤكد الترابط الذي أصبح وثيقاً بين بعض عناصر النظام القديم من الإخوان المسلمين وبين الانقلابيين.

ومن ناحية ثالثة، ترسل الزيارة رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، في توقيت بالغ السوء، على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا. وكان الرد السريع الذي أتى من جانب أميركا أكثر من واضح عبر تصريحات رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس، الذي قال إن "إرسال السودان وفداً إلى روسيا، مع بدء غزو أوكرانيا يوجه رسالة &- لا جدل في شأنها &- إلى العالم، مفادها بأن المجلس العسكري السوداني ليست لديه مصلحة في دعم الديمقراطية أو المبادئ الأساسية للسيادة. (نحن نراقب)، بحسب ما أوردت صحيفة "السوداني"، ناهيك عن ردود فعل القوى السياسية التي أصدرت بيانات حول هذه الزيارة، ومنها "حزب الأمة السوداني" و"تجمع المهنيين السودانيين".

لكل تلك التداعيات حول زيارة حميدتي نرى بوضوح أنها ستكون بمثابة خطيئة فادحة في ظل الأوضاع التي تعيشها روسيا، لأنها في هذا التوقيت تعكس إلى أي حد تستخدم موسكو علاقاتها في اللحظات الحرجة، مع الذين تستطيع عبرهم توظيف علاقاتها الخفية في إدارة كثير من المهمات الغامضة، إذ بات مؤكداً أن هناك وجوداً لمجموعة "فاغنر" الروسية في السودان، وما يدل على ذلك أن الزيارة كانت بدعوة من الجانب الروسي.

وعليه، ليس من المستبعد أن نشهد خطوات سياسية أميركية ضد المكوّن العسكري بطريقة قد تتفاعل معها الأوضاع السياسية في السودان على نحو دراماتيكي، لا سيما أن المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد كان قطع زيارته للسودان قبل أكثر من أسبوع لأسباب صحية طارئة.

على المستوى الداخلي، ستعزز هذه الزيارة من قوة الحراك الثوري الداخلي للشعب السوداني، الذي لم يتوقف عن تسيير التظاهرات منذ انقلاب 25 أكتوبر، لكن طبيعة الحرج التي تضخه هذه الزيارة عن تصرفات المكون العسكري، وما تضمره خلفياتها من تخطيط يظهر من خلفه بعض عناصر النظام القديم، سيشكلان دفعة قوية للحراك السياسي في السودان.

إن الحرب الروسية على أوكرانيا (إلى جانب كونها تعكس خشية روسيا من انضمام أوكرانيا إلى "ناتو")، تعكس الخشية الأكبر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي استمرار نجاح الديمقراطية في أوكرانيا. من هنا، فإن الزخم الذي ستشهده تداعيات هذه الحرب، وردود الفعل القوية والنوعية على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، هي ردود فعل لن تتوقف، ولن تنحو إلى تسليم أوكرانيا لقمة سائغة في فم الدب الروسي، لأن التداعيات الخطيرة الواضحة لذلك التسليم ستكون بمثابة كارثة على السلم العالمي وعلى نظام الديمقراطية الدولية، الأمر الذي قد يفسر إمكانية لتحوّل نوعي في سياسة الولايات المتحدة ضد المكون العسكري في السودان ومجازفاته التي بلغت حداً لا يطاق بمغامرة زيارة حميدتي إلى روسيا في هذا التوقيت الحرج من الغزو الروسي لأوكرانيا.

من هنا، قد يتضح لنا ما نتكهّن به من تغيير وتسريع للضغوط الأميركية والدولية بأنواعها كلها، على المكون العسكري في السودان، خصوصاً في ظل التظاهرات التي ظلت تنظمها لجان مقاومة الثورة السودانية، حتى السبت 26 فبراير (شباط).

إن الولايات المتحدة، في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، باتت أكثر تقديراً لخطورة ترك الديمقراطيات الناشئة إلى مصيرها في العالم. وفي ظل ردود الفعل غير المسبوقة ضد روسيا، ستكون هناك ردود فعل كبيرة على المكون العسكري في الأيام القليلة المقبلة، كما نتوقع.

لقد كانت زيارة البشير عام 2018 فاشلة، إذ عجز الروس عن تقديم يد العون له، نظراً إلى أن نظامه كان منبوذاً من المجتمع الدولي وموضوعاً ضمن لائحة الدول الراعية للإرهاب.

وزيارة حميدتي إلى روسيا ستكون أفشل من سابقتها، لأن الأوضاع التي وصل إليها السودان في ظل انقلاب 25 أكتوبر أسوأ بكثير، إذ إن حلم العسكر بأي إمكانية للاستمرار في السلطة والانفراد بها &- على ما كانت عليه الحال في ظل النظام السابق &- سيكون مكلفاً جداً هذه المرة، لأن إمكانية استمرار الوضع السوداني على هذه الحال من ضيق المعيشة وتفاقم الأوضاع الأمنية لن يستمر على ما هو عليه لأشهر قليلة مقبلة. لذا، ستشهد الأسابيع المقبلة زخماً ثورياً كبيراً وضغوطاً من المجتمع الدولي والولايات المتحدة على المكون العسكري بسبب هذه الزيارة المشؤومة لحميدتي إلى موسكو في ظل وضع عصيب وتوقيت بالغ السوء والحرج. ولن نستغرب إذا ما فعَّلت الولايات المتحدة في الأيام المقبلة مشروع قرار العقوبات الخاصة بالمسؤولين من المكون العسكري عن انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذين تسببوا معهم في تنفيذه.

ميثاق لجان المقاومة: "سلطة الشعب"

على الصعيد الميداني، ستعلن تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم، الأحد 27 فبراير، الميثاق السياسي تحت عنوان "سلطة الشعب"، الذي يعكس حراكاً سياسياً كبيراً بين قوى الثورة، إذ إن لجان المقاومة السودانية هي اليوم صاحبة امتياز الحراك السياسي الذي ظلت تنظَّمه بزخم ثوري لا يخبو منذ انقلاب 25 أكتوبر.

وفي تقديرنا، سيكون طرح الميثاق السياسي للجان المقاومة بمثابة إعلان جديد لقوى الثورة السودانية يعادل في قوته مبادئ (إعلان قوى الحرية والتغيير) الذي أطلقته قوى الثورة السودانية في يناير (كانون الثاني) 2019، وكان بمثابة الدليل الإرشادي للعمل الثوري حتى سقط رأس النظام في 11 أبريل (نيسان) من العام ذاته.

إعلان ميثاق "سلطة الشعب" من طرف لجان المقاومة السودانية سيعيد زخماً قوياً إلى قوى الثورة، وسيكون بمثابة بوصلة لفصل جديد من الثورة السودانية، وهي تستأنف مرحلة ثانية تحت قيادة لجان المقاومة في مسار نضالي نتمنى أن تتوحد تحته قوى الثورة التي هي اليوم بأمسّ الحاجة إلى إعلان توحيد جسم الحراك الثوري. وعلى القوى السياسية، بما فيها أحزاب قوى الحرية والتغيير التفاعل الإيجابي مع ميثاق "سلطة الشعب" التي ستعلنه لجان المقاومة السودانية.

فما أحوج قوى الثورة السودانية إلى عنوان وانتظام جديدين يقطعان مع التفاعلات والتجارب السالبة للمرحلة السابقة ويستشرف بالثورة السودانية مساراً جديداً يتجنب أخطاء الماضي ويستفيد من عظتها في المرحلة المقبلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف