جريدة الجرائد

روسيا خسرت الحرب ولو ربحتها

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هل وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فخ؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم في العديد من مراكز الدراسات المتخصصة عبر العالم. فالحرب التي شنها على أوكرانيا، لم تسر حتى اليوم، بعد مرور أكثر من اثني عشر يوماً، كما كان متوقعاً لها. فعلى الرغم من أن المواقف الرسمية التي تخرج عن "الكرملين" وسيدها، تصر على التأكيد أن "العملية العسكرية" تسير كما هو مخطط لها من دون عوائق، فإن الوقائع على الأرض تشير الى واقع مغاير تماماً. فـ"العملية" تواجه عقبات عديدة على جميع الجبهات. حتى على الجبهات الجنوبية التي حققت فيها القوات الروسية تقدماً ملموساً. وقد بدا من خلال متابعة ما نشره خبراء عسكريون وأساتذة متخصصون في الدراسات العسكرية والحربية في جامعات كبرى في العالم، أن الجيش الروسي "غرق" الى حد ما في وحول أوكرانيا، وحيث لم يكن مقدراً من قبل القيادة الروسية أن تواجه مقاومة كتلك التي حصلت وتحصل اليوم. فـ"العملية" لم تكن نزهة، والخسائر ضخمة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن القوات الأوكرانية النظامية وقوات الدفاع الإقليمية تواجه قوة عسكرية روسية عظمى، تمتلك قدرات لا حصر لها مقارنة مع قدرات القوات الأوكرانية المحدودة. لقد واجه الجيش الروسي الذي أرسله الرئيس بوتين مقاومة شرسة، وذكية في العديد من الجبهات. تمكّنت من إلحاق خسائر هائلة بالأرتال الروسية التي تدفقت من ثلاث جهات على أوكرانيا. وبدا أن قيام الغرب بتسليح الأوكرانيين بمنظومات دفاعية صاروخية محمولة خفيفة لمواجهة الطائرات والدبابات على حد سواء، لعبت دوراً كبيراً وحاسماً في تحويل "النزهة" الروسية الى مصدر قلق كبير في القيادة وحتى في الكرملين نفسه. فعلى الرغم من سياسة كمّ الأفواه التي تمارس في الداخل الروسي، من أجل فرض السردية الرسمية التي تصوّر غزو أوكرانيا على أنها "عملية دفاعية" موجهة ضد "عصابات متطرفة" و"نازيين جدد" و"مدمني مخدرات"، فإن شريحة نخبوية في المدن الروسية خرجت إلى الشارع لتعارض الحرب، وترفض سردية الرئيس بوتين. ويدل حجم التوقيفات التي قامت بها الشرطة الروسية، والتي ناهزت الخمسة عشر ألفاً، إلى أن سردية الكرملين تلقى معارضة نخبوية، يمكن مع ارتفاع حجم الخسائر العسكرية على الجبهات وانكشافها تباعاً، أن تحدث بلبلة كبيرة في الجبهة الداخلية التي يعتمد بوتين على تماسكها تحت شعار الدفاع عن مشروع روسيا الكبرى. أما الإعلام المستقل الذي منعه تماماً في روسيا فقد لا يؤخر في وصول الأنباء السيئة من أوكرانيا، بسبب قدرة الشباب الروسي والنخب على تخطي الحواجز والرقابة الإعلامية التي تمارسها السلطات.

بالعودة الى مسرح العمليات في أوكرانيا، يمكن القول إن الأيام العشرة الأولى كشفت نقاط ضعف هائلة في البنية العسكرية التقليدية الروسية. فقد بدا أن القدرات اللوجستية وأنظمة التحكم يعانيان من قصور كبير وفوضى عارمة، أديا الى تعثر تقدم أرتال المدرعات والآليات ووسائل التموين الرئيسية. فتحوّلت الطريق الى العاصمة كييف الى مرأب كبير معرّض للخطر في كل مكان وزمان على طول مسافة ستين كيلومتراً. أكثر من ذلك، لم يتمكن سلاح الجو من تحقيق التفوق الحاسم في سماء أوكرانيا، حيث استمر إسقاط الحوامات والطائرات كل يوم. وفي الوقت عينه، طفت على السطح معلومات فُهم منها افتقار العديد من الجنود إلى المعنويات الحماسية للحرب، وانخفاض المستوى التقني للآليات. حتى أن بعض المراقبين العسكريين اعتبروا أن هذه كشفت عن جيش ضخم ينتمي الى الحقبة السوفياتية تجهيزاً وتخطيطاً وقدرات. هذا الانكشاف من شأنه أن يضعضع معنويات القوات العسكرية على المدى الأبعد. فالتفوّق الهائل في القوة النارية المدمّرة لم يخف تخلف الماكينة العسكرية الروسية التقليدية. فماذا لو نشبت حرب تقليدية بين روسيا وقوات "الناتو"؟ اعتقادنا من خلال ما شهدناه في الأيام العشرة الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، هو انكشاف ضعف بنيوي داخل المارد الروسي الذي يعتبر القوة العسكرية الثانية في العالم، سوف يلقي بثقله على مستقبل قيادة الرئيس فلاديمير بوتين لأكبر بلد مساحة في العالم.

حتى الآن فشل الكرملين في الحرب الدعائية العالمية، وتعثر في الحرب الميدانية، ويواجه أكبر حزمة عقوبات اقتصادية دولية في تاريخ العالم الحديث، وسرديته في الداخل يمكن أن تنهار في أي وقت متى انكشف حجم الخسائر بين الجنود وفي العتاد.

تبقى مشكلة رئيسية: كيفية تأمين مخرج للرئيس بوتين من الوحول الأوكرانية لكي يوقف الحرب بأسرع وقت. فمن الواضح أنه لن ينتصر بالدخول الى كييف، وإذا اجتاح كل أوكرانيا، ولن يستطيع، فلن يتمكن من السيطرة على أربعة وأربعين مليون أوكراني سيقاومونه على جميع الأصعدة. فلقد خسر الحرب ولو ربحها. حان وقت الخروج من أدلجة التاريخ البعيد وتحكيم العقل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف