جدلية الحرب والنفط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا ظل النفط القاسم المشترك في لغة الحرب والسلم، ولأن عالمنا الآن مشغول ومهموم بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها العالمية المفروضة وغير المفروضة على جميع مناطق الكرة الأرضية فإننا نرى اليوم النفط هو الرقم الصعب في معادلة الحرب وهوامشها وتأثيراتها الاقتصادية والمعيشية بما يثبت أن الاقتصاد هو السياسة وهو الحرب وهو السلم وهو الحياة في عمومها.
في مطلع شبابنا وعينا على عنوانٍ لافت &"سلاح النفط&" أثناء وبعد حرب أكتوبر 1973، وكان العنوان بالنسبة لنا حينها لافتًا ومحيرًا أحيانًا، لكنه علمنا الكثير حينها وخطابات الملك فيصل طيب الله ثراه كانت تفاصيل تعرفنا من خلالها على ملامح وتضاريس عنوان &"سلاح النفط&".
في ثمانينات القرن الماضي ارتفع من عواصم الغرب ومن واشنطن خطاب &"الاستغناء عن النفط&"، ثم ظهر لاحقًا وبعد عدة سنوات عنوان &"الطاقة النظيفة&" وتلاه عنوان &"الطاقة البديلة&"، ودخلنا مع تلك العناوين الصاخبة في متاهات ومسالك مجهولة من كلام كثير يتجه في مجمله إلى الاستغناء عن النفط خلال بضع سنواتٍ لن تطول.
واستطاع الغرب وأمريكا في المقدمة تحريك شوارعهم ضد صناعة النفط بوصفها صناعة قاتلةً ومدمرة للبيئة وتشكل خطرًا مباشرًا على حياة الإنسان.
فيما كانت مختبرات مصانعهم ومراكزهم مشغولة بشدة في تصنيع وإنتاج المواد البيولوجية والكيميائية بشكل سري تمامًا لما فيها من خطورة حقيقة على حياة كوكبنا وحياة البشر أولاً وما تحمله في تلافيفها من فيروسات لا علاج لها مع الانتشار الواسع.
وبرزت &"إن كنتم تذكرون&" جماعات راديكالية ومتطرفة سياسيًا خلف يافطات عديدة وبأسماء كثيرة لتملأ العالم ضجيجًا واحتجاجًا ضد صناعة النفط في منطقتنا بوجه خاص بما يؤشر أنها جماعات سياسية مؤدلجة تمامًا اختفت او تخفت تحت العنوان الفضفاض والهلامي &"البيئة&" وسلامتها.
ورغم أننا لا نعترض أبدًا على شعار المحافظة على البيئة وسلامتها وصيانتها، لكننا بالقطع أدركنا أنه شعار &"حق أريد به باطل&"، وما أكثر شعارات الحق التي أريد بها باطل في زماننا هذا.
وها هم اليوم بعد خمسة عقود يسعرون حربهم في أوكرانيا ويدخلون إلى أتونها جميعهم، وها هم يستخدمون النفط والطاقة سلاحًا ذا حدين أصاب خصمهم بالقدر الذي أصابهم، وها هم يعودون إلى لغة النفط التي كانوا يهاجمونها لأعوامٍ خلت.
فهل اكتشفوا دور النفط وأهميته القصوى وآثاره على اقتصادهم الداخلي ومعيشة مواطنيهم وحركة مصانعهم وطائراتهم ومركباتهم الآن فقط؟؟
أم انهم في تلك السنين الخوالي قفزوا في الفراغ بأمنياتٍ ألبسوها أحلامًا وأشبعوها تنظيرات ومحاضرات ظلت حبيسة ملفاتهم؟؟
إذن وباختصار لا مهرب من النفط ومن الطاقة وما تشكله من شريان حياة للجميع، وبالنتيجة التي وصلنا إليها واقعيًا وعمليًا ليس من مصلحة أي طرفٍ من الأطراف الزج بالنفط للانحياز لهذا الطرف أو ذاك في لعبة الحرب &"أي حرب&"، ولا فائدة من الضغوطات الحمقاء والرعناء لجرّ النفط كي ينحاز هنا او هناك.
ووسط لهيب الحرب وسعار المقاطعات الناشبة بين أطراف الكبار استطاعت منظمة الأوبك أن تصمد بجدارة مشهودة عالميًا لقراراتها بما يدعم قوة المنظمة واستمرارها وفاعليتها وحكمة إدارتها وقت الحرب والسلم، وفي كل الظروف والمناخات.
منظمة الأوبك والأوبك بلس دخلت تاريخ الجدارة بامتياز معترف به من الجميع ونالت احترام الجميع؛ لأنها احترمت قراراتها وتمسكت بها رغم كل الضغوطات والمناورات التي مارستها أطراف الحرب.
النفط رفض بصلابة أن يكون سلاحًا في حربهم وظل شريان حياة اقتصادية للبشرية وهامًا يسجل للأوبك والأوبك بلس ولمن يديرها بعقل جديد موائم للظروف وملابساتها.