التهديدات العالمية الناشئة.. الحروب وتحول المناخ السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
المعادلة السياسية الدولية اليوم أصبحت متعددة المتغيرات، فقد ظهر الكثير من النتوءات غير المتوقعة في الخارطة العالمية، وأصبحت الفرص مهيأة لرؤية الاستقرار الدولي بشكل مختلف، خاصة أن الكثير من دول العالم أصبحت تشعر أن لديها الفرصة السياسية للتعبير عن ذاتها دون قلق، فالرابحون المعتادون لم يعودوا كذلك، ومعادلة القوة أصبحت أكثر انفتاحاً أمام القادمين الجدد لهذه المعادلة، ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً علينا أن نتحدث بشكل مباشر، فإذا استعرضنا الحالة الدولية خلال جائحة كورونا نجد أن الجائحة لم تكن مجرد حالة صحية فقط فقد أسهمت الجائحة في تأثير مباشر على النظام الدولي، خاصة أن تأثيراتها مست الهيمنة الأميركية، وفي المقابل استثمرت الصين الحاجة لتغيّر من موقعها في النظام العالمي وتتقدم بسرعة إلى مركز لافت للنظر سياسياً.
بعد فقدان تدريجي لتأثيرات أزمة جائحة كورونا وبداية تعافي العالم من الأزمة أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، هذا الغزو الذي سرّع وبشكل كبير إغلاق ملفات كورونا وتخفيف القيود في ظاهرة لفتت الأنظار الدولية، وقد اتخذ الرئيس بوتين قراره بغزو أوكرانيا وهو في موقف شخصي تتجاذبه الجراءة والخوف في ذات التوقيت، وكان الرئيس بوتين يدرك أنه أمام خيارات مغلقة فيما يخص اقتراب حلف الناتو من الأراضي الروسية، فالخيار الوحيد المفتوح أمام مشكلة أوكرانيا هو الغزو المباشر وفرض حالة عسكرية تساهم في تأجيل المشروع الأميركي - الأوروبي أو حتى القضاء عليه، لا أحد يمكنه الحديث عن الكيفية التي فكر بها بوتين من حيث ردود الفعل ولكن يبدو من مسيرة المعركة أنه مستعد لأسوأ الاحتمالات فيما يخص تنامي العقوبات الاقتصادية حوله وتطورات المعركة عسكرياً.
أميركا وأوروبا لا تخفيان قلقهما من ذلك الموقف السياسي الذي وضعهما فيه بوتين، فالعالم كله منقسم بشأن هذه الأزمة من حيث التأييد وحتى الدول خارج أوروبا أصبحت تشعر أن هناك فرصة بدأت تتشكل بصورة تدريجية لنظام عالمي تبدو ملامحه واضحة، ولكنه مازال يتخلق في رحم الأزمة الأوكرانية، فالمولود القادم يعتمد بشكل كبير على منتجات هذه الأزمة، والعالم الغربي يواجه ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية النار وهي تحيط به، والتحديات الكبرى التي تحاول أوروبا وأميركا عدم التفكير بها تقوم على سيناريوهات مقلقة لكل الأطراف.
السيناريو الأول: لن يكون من السهل سياسياً على أوروبا تقبل انتصار تكون القيادة فيه لأميركا؛ لأن ذلك يعني استعادة أميركية للتحكم والسيطرة بشكل مطلق في دول أوروبا التي تحارب من أجل الابتعاد عن هيمنة أميركية عليها، بينما تقاتل أوروبا لكي تستمر الدول الأوروبية في استغلال القوة الأميركية الاقتصادية والعسكرية ولكن دون السماح لأميركا بالهيمنة عليها، بمعنى دقيق (الاستغلال بلا مقابل).
السيناريو الثاني: إن انتصار روسيا يعني دخول أوروبا تحت تهديد وهيمنة روسية يتم من خلالها قمع كل التحركات الأوروبية وتحديد اتجاهاتها.
السيناريو الثالث: يدور حول صعوبة البحث عن حلول من قبل الأطراف المتحاربة بحيث يكون هذا الحل مقبولاً من روسيا ومقبولاً من أوكرانيا وترضى به أميركا وأوروبا وتدعمه الصين.
السيناريو الرابع: خيار عضوية أوكرانيا في أوروبا وحلف الناتو ثمنه مواجهة كبرى والتنازل عنه من قبل روسيا يعتبر هزيمة، ولذلك فإن الأسئلة المحتملة أمام هذه التحديات تدور حول صعوبة الوصول في نهاية الأمر إلى تحديد منتصر أو مهزوم في هذه الحرب، وسوف تكتشف أميركا تدريجياً أن إدارتها للحرب الاقتصادية من بعيد ستؤدي بالنهاية إلى انحسار تدريجي للهيمنة الأميركية وخاصة فيما يتعلق بالدولار والطاقة.
كل ما تتمناه أميركا وأوروبا أن يحدث شيء ما داخل روسيا يغير المعادلة، ولكن يبدو أن السياق السياسي المرتبط بالقومية الروسية المتشددة في معاييرها يبطئ هذه الأمنيات، أما خيارات أوكرانيا فتبدو أنه من الصعب عودة أوكرانيا موحدة، فالقرم ودونيتسك ولوهانسك وشرق أوكرانيا رسمت ملامحه الجغرافيا الروسية، وسيكون نهر دينبر الذي يقسم أوكرانيا أحد أهم المعطيات السياسية التي سوف يتم الحديث عنها مستقبلاً؛ كون الجزء الشرقي من النهر هو الجزء الروسي حيث السكان والقومية الروسية. لا يمكن لأحد أن يستبعد أن يشهد العالم حالة مثل جدار برلين، ولكن هذه المرة سيكون جدار كييف ليفصلها إلى جزأين روسي - وأوكراني مع تطورات الحرب التي تعد العالم بتحولات كبرى، فحتى تغير النظام العالمي وتطلع الكثيرين إلى هذه المرحلة، لن يكون الضمان الوحيد للعالم والأمن الدولي، فتحول المناخ السياسي الدولي لن يكون ثمنه سهلاً على الجميع.