الرقم الصعب المقبل في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فشلُ البرلمان العراقي في انتخاب رئيس للجمهورية لثلاث مرات، يثبتُ بالدليل القاطع أن المستقلين والوطنيين، الذين يبلغ عددهم نحو 50 نائبا، هم الرقم الصعب، وليس جماعة نوري المالكي التي تتفاخر بأنها تمكنت من تشكيل “الثلث المعطل”، أو كما يسميه المالكي “الثلث الضامن”.
جماعة إيران في العراق لا تؤلف الثلث. إنها تملك نحو 80 مقعدا فحسب. ولكنها تنافق لكي تُضفي على نفسها أهمية أكبر. الأكراد المستقلون ونواب الاتحاد الوطني الكردستاني والوطنيون العراقيون هم الذين شكلوا نصف المقاطعة. حاول زعيم التيار الصدري استمالتهم لضمان حضورهم فيكتمل النصاب المطلوب، فقدموا له مطالب، فلما عجز عن تلبيتها كانت المقاطعة هي الجواب.
هذا هو الرقم الأساس في فشل انعقاد جلسة التصويت لانتخاب الرئيس، وليس لملوم “الإطار التنسيقي”.
نواب الحرس الثوري الإيراني الذين يقودهم المالكي يريدون أن يُعيدوا مقتدى الصدر إلى بيت الطاعة لكي يحفظوا “العملية السياسية” من الانهيار. و”العملية السياسية” هي لا أكثر من عملية نصب، لا علاقة لها بالسياسة، لتقاسم الحصص ومراكز النفوذ لكي يواصلوا أعمال النهب والفساد التي أضاعت في عهد المالكي (بين 2006 و2014) وحده أكثر من 450 مليار دولار، قال عادل عبدالمهدي إنها “اختفت” من الحسابات، بينها أكثر من ملياري دولار، قال ديوان الرقابة المالية في مايو 2015 إنها اختفت من حسابات مجلس الوزراء في الفترة من 22 نوفمبر عام 2013 إلى 8 يوليو عام 2014، أي خلال السنة الأخيرة وحدها من فترة رئاسة المالكي للحكومة.
جماعات “البيت الشيعي” تريد أن تبقى موحدة على أي حال. ولئن شذ عنها الصدر لبعض الدوافع الشخصية داخل الدار فإن الضغوط عليه من إيران للتخلي عن تطلعاته ذات الشبهات الوطنية لم تنقطع. الكل ينتظر “عودة الابن الضال”.
هذه الجماعات، إذا اجتمع أبناؤها الضالون تحت سقف واحد من جديد، يمكنها أن تشكل بالفعل “ثلثا ضامنا” لاستمرار الفساد. ولكن يثبت بوضوح أنها لا تمثل العراق، ولا مصالح شعبه. وهي ترى الآن أن ارتفاع عائدات النفط يمكن أن يوفر لها فرصة مزدوجة لكي “تختفي” مئات المليارات مرة أخرى، وفي الوقت نفسه تقديم بعض الخدمات والمشاريع لإغراء جيش الجهل والأمية الجرار بالتصويت لها. وهي فرصة يجب ألا تضيع. ولهذا السبب فإن تمرد الصدر لن يطول. سوف تُقدم له ما يشاء من التنازلات، فقط مقابل أن يضمن لدولة العصابة حصتها.
إذا حدث هذا السيناريو فعلى العراق السلام، بعد ألف سلام سابق دفع به إلى الهاوية.
ما هي الخيارات أمام الرقم الصعب الحالي؟
شق صفوف بيت الفساد هو أحد أهم ثلاثة خيارات. الثقة بالصدر أصعب من الثقة بعرقوب. هو نفسه يعرف ذلك. ولكن قد يمكن للرقم الصعب أن يخفف مطالبه ويكتفي بوثيقة ضمانات مكتوبة لمحاربة الفساد، واحترام سيادة العراق واستقلاله، واستخدام عائدات العراق النفطية لخدمة مشاريع استثمارية محلية تستنهض الاقتصاد وتوفر الخدمات، واحترام سلطة القانون، وحياد المؤسسة الأمنية، وتقدم للصدر، في مقابلها، الفرصة ليقود تشكيل الحكومة.
صحيح أن اتفاقاته مع جماعات محمد الحلبوسي وخميس الخنجر ومسعود بارزاني هي نفسها اتفاقات تقاسم حصص، إلا أن دق إسفين بينه وبين باقي جماعات “البيت الشيعي” أمر مفيد. كما أن إتاحة الفرصة للرقم الصعب لكي يكون رقيبا داخليا على أعمال الحكومة أمرٌ مفيدٌ آخر.
وفي الواقع فإن وثيقة تفصيلية واحدة لمكافحة الفساد، تتوفر لها ضمانات تنفيذية حقيقية تحت سلطة القانون، تكفي لتحقيق منعطف.
جماعات بيت الفساد لا تريد شيئا آخر من العراق. إنها تريد أن تنهب لنفسها وتنهب لإيران. وذلك تحت مزيج من الدوافع العقائدية والأحقاد الشخصية وابتذال الغايات. وحرمانها من هذه “الحصة” سوف يكون بمثابة ضربة تقصم الظهر.
سجلات الفساد التي يعرفها العراقيون يجب أن تنكشف بصفة رسمية، وتتحقق لها المساءلات على الأقل، إن لم يكن المحاكمات أيضا. فهذه تتطلب جرأة وسلطة قانون حقيقية.
لا شيء مطلوبا أهم من ذلك. كل الباقي تفاصيل أمام هذه القضية. السجلات نفسها تقول إنها هي القضية الأكبر في العراق. وإنها هي السبب الأساس في كل ما حل به من خراب وتفكك واهتراء مؤسساتي.
خمسون ألف عضو وهمي في المؤسسة الأمنية، مؤشر واحد، ولكنه كاف ليقول إن جماعات “البيت الشيعي” لم تترك وسيلة من وسائل النهب تعتب عليها.
ولو تفككت هذه الجماعات لكي يفضح اللصوص أحدهم الآخر، فتلك تكملة مهمة للمنعطف.
الخيار الثاني هو تكريس الفشل، إذا ما توفرت المؤشرات على أن بيت الفساد لن يعود فيتوحد من جديد. وهو ما يعني الدفع باتجاه إجراء انتخابات جديدة.
الدعوة إلى انتخابات جديدة يمكن أن توفر منعطفا مفصليا لكي تتعاظم قدرة الرقم الصعب على التأثير، لتلبية المطالب نفسها. عودة الأطراف الوطنية التي قاطعت انتخابات أكتوبر الماضي يمكنها أن تشكل قوة أصعب. ولو أنها تمكنت من التوافق على أسس عريضة للعمل الوطني المشترك، وتخلت عن التنازع حول الصغائر والمراكز، فلعلها تستطيع أن تكون عامل تغيير حقيقي في مسارات الخراب التي قادت ميليشيات الولي الفقيه العراقَ إليها.
مسارٌ تصاعديٌ ما، يمكن أن يتأسس من هؤلاء النواب الخمسين، ليصبحوا مئة أو أكثر، فيكونون لاعبا قادرا على المشاركة الفعلية في صنع القرار وتغيير وجهة الفساد إلى وجهة إعادة بناء.
ولكن هذا كله مشروط بأن جماعات التبعية الإيرانية لن تعود فتتوحد لتنهب العراق، لاسيما وهي تحسب أنها ستكون النهبة الأخيرة؛ أي الأكبر، قبل العودة إلى إيران.
الخيار الثالث هو انتظار الخراب حتى يكتمل، والفجر حتى يبزغ، والوعي حتى ينضج، وانتفاضة جديدة حتى تنشب، وانتخابات أخرى حتى تأتي.
الرقم الصعب المقبل سوف يظهر في ذلك الحين، إنما بعد أن تكتمل أركان الجريمة.