جريدة الجرائد

إيمانويل ماكرون "العائد": هل يكون أقوى أم أضعف؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إذا لم يطرأ حدث كبير في اليومين المقبلين، فسيكون المرشح الرئيس إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا لولاية تدوم خمس سنوات. ففي الساعة الثامنة من مساء الأحد المقبل، يُكشف عن المرشح الفائز لتولي الموقع الأول في فرنسا. بين الرئيس المرشح إيمانويل ماكرون والمرشحة رئيسة "التجمع الوطني" اليميني الراديكالي مارين لوبن، تتوسع هوة التأييد المتوقعة وفق استطلاعات الرأي التي توالت في الأيام الأخيرة، قبل المناظرة بينهما وبعدها. فقد استقر الفارق على ما يقارب النقاط العشر، ما يمنح ماكرون موقعاً متقدماً بوضوح، سيصعب على لوبن اللحاق به في الساعات الثماني والأربعين المقبلة، ولا سيما أن المناظرة التي حضرها ليل الأربعاء الفائت ما يربو على الخمسة عشر مليون فرنسي، أظهرت ماكرون متفوقاً على منافسته في خلاصة جميع الاستطلاعات التي صدرت في أعقابها، وذلك بالرغم من أن الأخيرة عملت جاهدة على محو ذكرى هزيمتها في المناظرة السابقة في الانتخابات الرئاسية عام 2017، حيث فشلت فشلاً ذريعاً ليستفيد ماكرون آنذاك ويفوز بالدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بفارق كبير عليها.

في المناظرة ليل الأربعاء، تفوّق الرئيس - المرشح، لكن منافسته أظهرت نضوجاً في النقاش والمساجلة أكبر مما سبق، وبدت أكثر قدرة على تقديم اقتراحات، وبدائل من سياسة الرئيس. مع ذلك لم تتمكن من التخلص من ميلها إلى الشعبوية، والشعارات عندما كانت تفقد زمام المبادرة في النقاش التقني، لا سيما في الجانب الاقتصادي بكل تشعباته، وفي ما يتعلق بملف القدرة الشرائية للفرنسيين، أو بملف الطاقة. ولعل نقطة الضعف الرئيسية التي اعترت النقاش من جانب مارين لوبن، أن علاقتها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه اللحظة التاريخية بالذات أرخت بظلالها على ترشيحها، لا سيما عندما بدا للمواطن الفرنسي أن مشروعها للخروج من الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، يلتقي بطريقة مشبوهة (فضلاً عن علاقة مالية مع مصرف روسي) مع مشروع بوتين بتدمير الاتحاد الأوروبي وتقويض حلف "الناتو"، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أسباب غزو روسيا لأوكرانيا.

أما قضية الهجرة، واقتراح منع الحجاب في الأماكن العامة، فقد أفقداها الكثير من الأصوات التي كان يمكن أن تتصيدها لوبن في الأوساط اليسارية التي شكلت القاعدة الناخبة لمرشح اليسار رئيس حزب "فرنسا الأبيّة" جان لوك ميلانشون، ما فتح الباب أمام ماكرون لفوز يوم الأحد المقبل بفارق معتبر، قد يصل إلى ما بين ثماني إلى اثنتي عشرة نقطة.

إذاً ماكرون رئيساً ليل الأحد المقبل. لكن ماذا عن اليوم التالي؟

في اليوم التالي يعود الرئيس "العائد" إلى قيادة حملة انتخابية جديدة. فحسب العرف السائد منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، تتبع الانتخابات الرئاسية انتخابات تشريعية من شأنها أن تجدد الطاقم السياسي الحاكم، وتمنح من حيث المبدأ الرئيس المقبل أداة الحكم بمشاركة "الجمعية الوطنية" أي البرلمان. وهذه المرة ستتبع الانتخابات الرئاسية التي تحسم ليل الأحد، انتخابات رئاسية على دورتين يومي 12 و19 حزيران (يونيو) المقبلين. وهنا الامتحان الكبير للرئيس ماكرون الذي سيتعين عليه أن يخوض الانتخابات بجهد مضاعف من أجل محاولة نيل أغلبية في البرلمان، تمكّنه من الحكم بسلاسة للأعوام الأربعة المقبلة. والامتحان الذي نتحدث عنه ستسبقه جهود مضنية سيبذلها ماكرون من أجل اصطياد أصوات من كل مكان، أي من جميع الحساسيات السياسية في وسطها، تماماً كما فعل في بداية ولايته الأولى. فحزب الرئيس "الجمهورية إلى الأمام"، وقاعدته الناخبة تمثل الوسط العريض الذي استدرج ناخبي اليسار واليمين مدمراً الحزبين التاريخيين (الديغولي والاشتراكي) الممثلين لهذين التوجهين اللذين حكما فرنسا منذ بداية الجمهورية الخامسة. هذه المرة شهدت الانتخابات الرئاسية نمواً كبيراً لكتلة اليمين الراديكالي الناخبة مع مارين لوبن، والمرشح المتطرف الآخر إريك زيمور، وحصدت لوبن أكثر من واحد وعشرين بالمئة من أصوات الدورة الأولى. وفي المقلب الآخر، حققت كتلة اليسار الأيديولوجي الناخبة بقيادة ميلانشون نتيجة مماثلة تقريباً في مقابل سبعة وعشرين ونصف بالمئة لماكرون.

هذا المعطى سيجعل من مهمة الرئيس "العائد" شاقة في كسب مزيد من الأصوات، كون كلا المرشحين لوبن وميلانشون (الذي خرج من الجولة الأولى) يتطلعان إلى الانتخابات التشريعية من أجل حجز موقع لهما على الخريطة السياسية البرلمانية المقبلة، وذلك في محاولة منهما، كل على حدة، لتسجيل نتيجة متقدمة تمكن أحدهما من اقتناص موقع رئيس الحكومة، وتشكيل حكومة مساكنة تذكّر بحكومات المساكنة أيام الرئيسين الراحلين فرنسوا ميتران وجاك شيراك. بمعنى آخر، المعركة ستدور الآن حول البرلمان، ومن الواضح أن ماكرون، وإن عاد، لن يتمتع بالزخم الكبير الذي كان له سنة 2017. فالكتلة اليمينية بقيادة لوبن ستخرج لخوض معركة أيديولوجية ضده، وأيضاً ستخرج الكتلة اليسارية بقيادة ميلانشون لخوض معركة أيديولوجية ضده وضد لوبان.

هذا كلّه يؤشر إلى احتدام التنافس على البرلمان في ظل انقسام كبير في فرنسا. فبالرغم من أن كل الدلائل تشير إلى ضمان ماكرون فوزه بالرئاسة، فإن لهذا الفوز طعماً مراً معيناً، لأنه قد يقترن بمصاعب كبيرة، لا سيما في ظل احتمال محاصرته من كتلتين ناخبتين يمينية ويسارية معتبرتين، قد توصلان إلى البرلمان عدداً كبيراً من النواب يحولون دون تمكن ماكرون من تأمين غالببة 289 مقعداً يمثلون الأكثرية من أصل 577 مقعداً.

إذاً، في اليوم التالي، أي في الخامس والعشرين من أيار (مايو) المقبل، تدخل فرنسا في سباق انتخابي كبير، ستلعب فيه القضايا والهموم المحلية دوراً كبيراً في تحديد متطلبات الفوز في كل منطقة. سيرتسم أمام الرئيس العائد تحد كبير. وأهمية التحدي أنه لحظة فشله في اجتياز الدورة الأولى للرئاسيات، أطلق جان لوك ميلانشون متكئاً على نتيجة مشرفة، شعار "الدورة الثالثة"، عانياً الانتخابات النيابية، وداعياً ناخبيه إلى "انتخابه" رئيساً للحكومة (من خلال غالبية برلمانية). هذا الواقع المحتمل ستطبع نتيجته عهد إيمانويل ماكرون ربما بطعم التراجيديا السياسية، وخصوصاً إذا ما فشل في تأمين غالبية في البرلمان تمنحه قدرة على الحكم بسلاسة، فيصير للفوز في مكان ما طعم الفشل!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف