المجتمع واستثمار التكنولوجيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يكن هناك عصر للمعلومات والمعرفة كعصرنا، هذا حتى أنه سمي بـ(عصر المعلومات)، فالتعامل مع الآلات أصبح من المستحيل الاستغناء عنه، ولذلك هل ندرك قيمة استثمارها، أم أنها وجدت للترفيه والتسلية كما يغلب على واقعها الاجتماعي في هذه الآونة؟!
في هذه الحقبة المهمة من التاريخ لم يقع تحت أيدينا دراسات أدبية تبحث عن مدى التأثير والتأثر على الشخصية العربية، وإلى أي مدى تتشكل التحولات! لأن هذه التحولات ستحدث حتماً قبلنا أم لم نقبل.
يقول الدكتور نبيل عقل في هذا الصدد: "يشيع في الأدبيات التي تتناول قضايا التنمية في مجال المعلومات تصوير العالم النامي، وكأنه سيواجه قدراً تكنولوجياً محتوماً أشد بؤساً بالطبع، ورغم الأسانيد والحجج والشواهد والإحصاءات، فالاستسلام لمثل هذه التصورات -بجانب كونه نوعاً من الانتحار الاجتماعي- يتنافى مع ما تنتجه تكنولوجيا المعلومات من فرص، ونترك لعلماء الاجتماع الحكم على مدى اتساق ذلك مع حقائق التاريخ القريب البعيد".
ومما لا شك فيه أن هناك تحولات، والنتوءات الاجتماعية ستطرأ على مجتمعاتنا إن لم تكن قد طرأت بالفعل، وهذا جد خطير، لذلك يتعامل العربي مع هذه الآلة بكل الأوجه غير الانتقائية وبلا وعي لمدركات خطورتها إلى جانب ما تنتجه لنا، وعلى ذلك نجدنا نسبح في بحر لجيِّ غير محدد الخُطى والتوجهات، في عالم افتراضي فرض نفسه قسراً ومن دون تمييز.
وعلى سبيل المثال: سئل أحد الإعلاميين البارزين عن صورة المرأة المعاصرة في عصر المعلومات، فأجاب بإجابة تلقائية: إنها أصبحت أكثر جرأة وإنها أصبحت شريكاً في المسيرة الوطنية.
ولهذا كان السؤال مهماً وجاداً وملحاً، لكن الإجابة غير شافية بالنظر في حال المرأة والرجل والطفل وكل مكونات المجتمع بدراسات أكاديمية تعمل على حمل مشعل المعرفة، وتبيّن الخُطى عبر دهاليز مختلطة الأنحاء وفي سرعة هائلة من التطور والتحديث.
فالتكنولوجيا وعصر المعلومات أصبحا حتميان، ولذلك كان على الجانب الآخر منه -المجتمع بكل طوائفه- التمسك بسلاح ذي حدين، لكن من الواضح أننا نقبض بشدة على طرف دون الآخر في ظل هذا الانتشار السريع المتلازم مع عدم القدرة على التمييز بين طرفي هذا السلاح.
فمن غير المنطقي ومن غير المعقول أن نترك أطفالنا طيلة اليوم يعبثون ويتقلبون بين ردهات هذا العالم، ومن العبث أيضاً أن نمنعهم عنه، وفي كلتا الحالتين يجب الدراسة والتصنيف والبحث والاستقصاء، عن مدى قدرة هؤلاء الأطفال -الذين أصبحوا أكثر قدرة وفهماً وخبرة منا في التجول بين دهاليزه- علينا خلق توازن بين بنية الشخصية ذات الخصوصية للأجيال المقبلة وبين عالم مهجَّن مختلط الثقافات، وهذا أمر مهم للأجيال المقبلة ولمستقبل الشخصية العربية المتفردة ذات الخصوصية التي يجب أن نحرص عليها، كما أننا في الوقت ذاته نحرص على اكتساب المعارف واستثمار هذه التكنولوجيا بشكل جيد ومفيد، ونحن الآن نسير على مضمار الميتافيرس والذكاء الاصطناعي والمعرفة والفرق بينهما كبير.
فعن الفرق بين المعرفة والذكاء يقول كاتبنا: "لا شك أن هناك فرقاً جوهرياً بين اكتساب المعارف القائمة بالفعل وتوليد المعارف الجديدة، إن الذكاء هو الطاقة الذهنية التي نطبقها على سابق معرفتنا وشواهدنا لتوليد الأفكار واكتشاف العلاقات وبرهنة النظريات واستخلاص البنى الحاكمة التي تنطوي عليها الظواهر التي تبدو على السطح متباينة ومتناثرة. ولقد اكتشف علماء الكمبيوتر ضرورة إكساب الآلة القدرة على التعلم الذاتي حتى تستطيع إكساب المعرفة مباشرة من مصادرها دون وسطاء، وذلك لكي تصبح قادرة على توليد معارف جديدة والتكيف التلقائي مع المتغيرات الطارئة، فمن دون تحقيق ذلك لا يمكن للآلة أن تتعايش مع الواقع الإنساني وأن تحدث التناغم الواجب بينها وبين الإنسان، ولا شك أن هذه الأمور الجسام تثير العديد من القضايا الفلسفية والنفسية والاجتماعية بالقدر نفسه الذي تنطوي عليه من تحديات علمية وتكنولوجية قاسية".
إنها الإنسانية في مواجهة الآلية، فإما أن يفرض الإنسان إرادته على صنعه أو تطغى عليه صنيعته وقد أفلتت من زمام سيطرته.
ولذلك نتناول هذه القضية ذات الحدود الحادة والجادة والمُشَكِّلة لبنى اجتماعية أصبحت قائمة بالفعل، والتي تحقق نظريات العالم الجديد، العالم الواحد، الفرد في العالم، وليس الفرد في بيئته أو مجتمعه، مما نجد نوعاً كبيراً من الاستهتار في التفاعل بشكل كبير من هدر الوقت ومن عدم الحياء ومن الجرأة ومن التطاول ومن الفردانية، لكونه يتفاعل من خلف الجُدُر ومن وراء الحُجب بشكل يسيء لكل البنى الاجتماعية الموثوق فيها والمحكومة بفعل العيب وبحكم ما لا يصح، فانفلت السهم من القوس حتى طغى كل ذلك على مكاسب هذه الآلة التي أصبح الاستغناء عنها ضرباً من ضروب التيه في المفازة، ذلك يرجع الأمر إلى عاملين مهمين: أولهما عدم الوعي بمقتضيات الحاجة إليها، وثانيهما هو عدم الاكتراث بإنتاج دراسات أدبية تدرس في الجامعات وفي المدارس عن كيفية التعامل معها بوعي وباحترام وثقة واستفادة.