«1من 2»
شح الطاقة .. هل فات الأوان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ملف الطاقة ملف جوهري وقضية استراتيجية تلامس الجميع دون استثناء بصورة مباشرة أو غير مباشرة وإن تجاهل البعض هذه الحقيقة، الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ولا يمكن إغفال دورها وأهميتها حاضرا ومستقبلا، ولا يمكن وضع خطط استراتيجية وتنموية لأي دولة في معزل عن الطاقة وشرايينها وسلامة إمداداتها وديمومتها.
العالم لا يعيش أفضل حالاته في هذه المرحلة الحرجة، خصوصا على الصعيد الاقتصادي الذي تأثر بشدة بسبب جائحة كورونا التي شلت أركانه ومن أحد أهم أركان الاقتصاد العالمي بلا شك قطاع الطاقة. خلال جائحة كورونا انخفض الطلب على النفط ومشتقاته بصورة قياسية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي سن قوانينه جل الدول، ما أدى إلى إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية، وتقييد السفر الذي انعكس بصورة حادة على أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب العالمي على الوقود وغيرها من العوامل التي هوت بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية. تكاتف العالم وقامت بعض الدول بجهد كبير وضخت مبالغ طائلة في القطاعين الاقتصادي والصحي لتخفيف آثار الجائحة والخروج من الأزمة بأقل الخسائر. خلال تلك المرحلة الاستثنائية تعاملت معها السعودية باستثنائية وقادت "أوبك" لضبط إيقاع أسواق النفط لإعادة توازنها بتقنين الإنتاج ليتسق مع شح الطلب، ما أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات مناسبة للمنتجين والمستهلكين.
بدأ فيروس كورونا بالانحسار عالميا وشهد العالم عودة الأنشطة الاقتصادية تدريجيا ورفع الحظر وانتعاش الاقتصاد، ما أدى إلى زيادة الطلب على النفط ومشتقاته، واستمر تعاطي "أوبك" المتوازن مع هذا التطور بقيادة السعودية وحلفائها. عندما استبشر العالم بقرب التعافي التام من آثار جائحة كورونا بدأت أحداث الحرب الروسية - الأوكرانية التي عادت بالاقتصاد العالمي خطوات كثيرة إلى الخلف، فنسبة التضخم ارتفعت في بعض الدول إلى مستويات لم تسجل من أكثر من 50 عاما، وتأثرت إمدادات الطاقة العالمية بسبب روسيا أحد أهم منتجي النفط والغاز في العالم. ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات 120 دولارا للبرميل ومن المتوقع لها مزيد من الارتفاعات وهذا أيضا ينطبق على أسعار الغاز في أوروبا التي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية بنسبة تقدر بنحو 40 في المائة من مجمل استهلاكها.
من كان يحارب الوقود الأحفوري عاد ليخطب وده، فبعض من كانوا ينادون بتقويض صناعة النفط وعلى وجه الخصوص تقويض صناعة المنبع والاستثمار فيها عادوا إلى رشدهم على استحياء وهذه خطوة مباركة أن عادوا إلى المنطق والحكمة. في المقابل هناك من يصرون على الاستمرار في محاربة الوقود الأحفوري والمبالغة في إحلال مصادر الطاقة المتجددة التي أعتقد، وكما ذكرت مرارا وتكرارا، أنها طاقة مكملة وليست بديلة ولن تكون كذلك في المدى المنظور. رحلة تحول الطاقة، وأعني هنا الوصول إلى مزيج من الطاقة ذي كفاءة عالية في الإنتاج والاستهلاك، وصديق للبيئة يتسق مع التوجه العالمي في تحقيق أهدافه حول قضايا تغير المناخ والاحتباس الحراري، طريق رحلة تحول الطاقة ليست ممهدة تحفها الورود، بل طريقا شائكا جدا يحتاج إلى تعاون الجميع وليس قالبا واحدا يناسب جميع دول العالم، فكل دولة تنظر إلى القضية من منظورها الخاص وفق مصالحها الشخصية وأمنها القومي... يتبع.