جريدة الجرائد

الإخوان وعودة الفوضى في ليبيا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تبدو الأوضاع السياسية في ليبيا تراوح في مكانها دون تغيير واضح في مراكز القوة أو تبدل لمنسوب وتأثير المفاعيل الوازنة في الداخل، خاصة مع بروز زاوية الخلاف بين المجلس الأعلى للدولة والنواب، الأمر الذي برز للجميع عقب إعلان تشكيل الحكومة المكلفة، وكذا الانقسام الواضح بين تيار الإخوان المسلمين في ليبيا حول شخص رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، الذي اقترب من شخصيات الشرق الليبي، والمشير خليفة حفتر، الذي يعتبره الإخوان بمنزلة خصم استراتيجي لهم. وبحسب موقع &"The Levant News&"، يرى الكاتب والباحث رامي شفيق أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، تتحرك باتجاه إرباك المشهد السياسي، وربط التقدم في مسارات تسوية الأزمة، بمدى تحقيق أهدافها، الأمر الذي بدا واضحًا في أكثر من مناسبة، كان أبرزها على الإطلاق ما وقع إبان الاستحقاق الانتخابي السابق، في شهر ديسمبر الماضي، ثم عندما أرخت عزمها الوقوف جنبًا إلى جنب مع رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، ليستلم السلطة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة. ثمة يقين أن جملة الظروف التي تعرضت لها الجماعة في ليبيا، خلال السنوات الأخيرة، وخسارتها الانتخابات البلدية في غرب البلاد، والظروف الأقليمية التي أفضت إلى إنحسار الجماعة في مصر وتونس، كان لها أبلغ الأثر في اتخاذ الجماعة في ليبيا خطوات تكتيكية، لمداراة انزياح الإسلام السياسي، ونكوص نفوذها، وخروجها من دوائر السلطة المؤثرة، ولذلك، تعتمد الجماعة في ليبيا عدة ٱليات وخطوات تكتيكية تأتي معظمها عبر المجلس الأعلى للدولة الذي استطاع عبر التطورات الأخيرة أن يظهر للجميع باعتباره نافذة تشريعية ينبغي للجميع أن يتوقف عندها حتى يستطيع أن يمرر إجراءاته وقراراته السياسية.
تدرك جماعة الإخوان، أنها تفتقد في الوقت الراهن للمزاج الشعبي المؤيد في ليبيا، رغم ملامح الصعود السريع، في أعقاب أحداث العام 2011، ومساعيها المستمرة لحيازة أدوات التأثير، عبر بسط نفوذها على المؤسسات التنفيذية والتشريعية كافة، فضلاً عن ارتباطها بموجات العنف، وحالة الفوضى التي شهدتها البلاد، وما نتج عن ذلك من انقسام حاد بين الغرب والشرق، وكافة مؤسسات الدولة. بيد أن ذلك لم يمنعها من القبض على بعض أدوات النفوذ، خاصة عبر المحفظة المالية التي تبدو في المصرف المركزي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط. الأمر الذي بدا واضحًا للجميع في استخدام المال والنفط داخل أطر الصراع السياسي خلال الفترة الأخيرة وحذر منه الجميع، لا سيما سوء استخدام إيرادات النفط. من ناحية أخرى، تعاني جماعة الإخوان في ليبيا انشقاقات في بنيتها التنظيمية، على مستوى التنظيم السياسي، الذي بدأ بخروج الرئيس السابق لحزب العدالة والبناء، محمد صوان، وتشكيله حزبًا جديدًا، فضلاً عن لجوء الجماعة إلى الظهور باسم جديد، إذ أعلنت الجماعة في مايو 2021، تحولها إلى جمعية توعوية، تحت اسم&"الإحياء والتجديد&"، وزعمت أنها سوف تقتصر على العمل المجتمعي. تفكك ٱخر ضرب الإخوان في مدينة الزاوية، أحد معاقل الجماعة المهمة، إذ تم حل فرع التنظيم، وتقديم استقالة جماعية، في أغسطس 2020. الأمر الذي تكرر في مدينة مصراته الساحلية، المعقل القوي الآخر للتنظيم. ولم يغب عن ذهنية الإخوان في ليبيا مشهد تداعي التنظيم في دول الجوار شعبيًا، وخروجهم من دوائر السلطة والنفوذ. إلى ذلك، لم يستطع المراقبون رصد عدد من المرشحين على مستوى الانتخابات البرلمانية السابقة، ينتمون إلى تنظيمات الإسلام السياسي، أو الدفع بأسماء بعينها، تحت مظلة التنظيم الحزبي في الانتخابات الرئاسية، ومالت آراء المراقبين إلى كون الجماعة تخطط لإقامة تحالفات خفية مع بعض المرشحين، إذا ما اضطرت لذلك، وعقدت الانتخابات لا سيما البرلمانية.
مع فشل تنفيذ الاستحقاق الانتخابي، في موعده السابق، في ديسمبر الماضي، تحرك كل من المستشار عقليه صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري -القيادي الإخواني- رئيس المجلس الأعلى للدولة، في تحالف تكتيكي، من أجل إزاحة حكومة الوحدة الوطنية، وتنصيب رئيس جديد للحكومة هو فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق سابقًا، والموافقة على التعديل الثاني عشر للإعلان الدستوري، والذي من خلاله حصل كل من مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، على إطالة عمرهما، مع رهن حضورهما في الفضاء السياسي، بانتخاب مجلس النواب ورئيس الجمهورية، بيد أن المجلس الأعلى للدولة ورئيسه خالد المشري، ما لبث أن تراجع عن تحالفه الطارئ مع مجلس النواب؛ بشأن رئيس الحكومة المكلف. ويمكننا فهم الارتباك في الموقف من حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة المكلفة، من خلال اسماء شخوصها، الدبيبة، باشاغا، عبر قراءة الانقسام الحادث بين قيادات الجماعة، وحزب العدالة والبناء، من خلال الرئيس السابق للحزب، محمد صوان، الذي يؤيد فتحي باشاغا، ومدى تحقق كل فصيل من مصالحه خلال المدى المنظور، سيما وأن حزب العدالة والبناء، بقيادة رئيسه الحالي، عماد البناني، يحظى بسبعة عشر مقعدا، من أصل 145 عضوًا في المجلس الأعلى للدولة. وبالمحصلة، هناك انقسام بين تيارات الإخوان في ليبيا حول الأسماء المطروحة في السلطة وموقفها التكتيكي من تلك الشخوص، سواء عبر رفع يد الدعم عن حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبدالحميد الدبيبة، أو بسط راحة الدعم على شخص رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، ومن الطرف الذي يستطيع أن يقدم لهم منحة الحياة القادمة وسط أفول الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. من زاوية أخرى، ينبغي أن تكون الورقة الأكثر تأثيرًا في لعبة المفاوضات على مستقبل ليبيا والطرف الأثقل في مسارات البلاد مع الأطراف الفاعلة إقليميًا ودوليًا.
ومما سبق، يبدو كما يقول المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري، بعد فشله في السيطرة على مصر وتونس، يواصل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في ليبيا وضع مخططات لعودة الفوضى في ليبيا لمحاولات الاستيلاء عليها عن طريق إشعال الفتن لإسقاط البلاد مجددًا في نيران الحرب، إضافة إلى محاولة الوقيعة بين أبناء الشعب الليبي وعدد من الدول المجاورة الداعمة لاستقراره من أجل التمهيد لدول إقليمية تسعى لنهب خيرات الليبيين. ومقابل ذلك، يشن عدد من قيادات الإخوان هجوما على الدول الداعمة لاستقرار ليبيا، وهو ما ظهر في تصريحات مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني التي تضمنت هجومًا على دور مصر في دعم خيارات الشعب الليبي لاستعادة اسقراره. ويعتقد لن يصمت الإخوان في هذه المرحلة، وسيحاولون نسج المؤامرات لمنع حكومة فتحي باشاغا المكلفة من البرلمان من دخول العاصمة طرابلس، وسيواصلون الحشد العسكري مع جماعات الإرهاب والتطرف التي خرجت من عباءتها من أجل دعم الحكومة المقالة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والتي منحتها حرية السيطرة على الوضع الأمني في العاصمة عن طريق فرض هيمنتها على الميليشيات المسلحة المرتزقة، كنواة للسيطرة على ليبيا، فيما أكد محللون أن الأمور السياسية في ليبيا تسير إلى حالة من الضبابية والتصعيد، متوقعين المزيد من الخلافات والانقسامات السياسية داخل البلاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف