اقتصاد الوسطاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يسود رأي اقتصادي مفاده بأن سلاسل الإمداد كانت شرارة موجة التضخم الحالية، وهو رأي له مبرراته، ولو أنني أعتقد أن السياسات الحمائية والقلق الغربي من الاعتماد على الصين هما الجوهر الذي يجمع بين سلاسل الإمداد والسياسات الحمائية التي أدت إلى رفع التكاليف على المنتجين. إلى أن وصلنا إلى التوسع المالي والنقدي ومن ثم الحرب - ظروف قادت في الأخير إلى توطن التضخم في أغلب العالم. لكن الحالة الاقتصادية الكلية ليست تضخما فقط مهما كان ضررها كبيرا، ولذلك نحتاج إلى تفسير جديد لفهم الاقتصاد الحديث. جاء تفسير جديد من خلال كتاب لأستاذة القانون في جامعة كولومبيا كاثرين جج Judge عنوانه: Direct:The rise of the middleman economy and the power of going to the source "مباشر: ظهور اقتصاد الوسطاء وقوة الرجوع إلى المصدر"، أي: كان دورها في التضخم في أحد مظاهر الاقتصاد الحديث شبكة سلاسل الإنتاج التي أسهمت في رفع الإنتاجية وتقليص التكاليف عالميا، لكنها جاءت بمشكلات وتحديات من نوع آخر، وشكلت القاعدة الأساسية لوسطاء يخفون حقيقة الإنتاج والتوزيع والتسعير بسبب طبيعة أعمالهم وعلاقتهم بالمصادر.
يقول آدم سميث رائد الرأسمالية الحديثة: إن السوق الصحية تتطلب أن يشترك البائع والمشتري في الإطار الأخلاقي، وهذا كان ممكنا في وقته حين كانت تجارة التجزئة في مدينة واحدة أو حتى بلد واحد، لكن العولمة والتقنية تدريجيا غيرا معالم الصناعة والتجارة وأسهمت الطبيعة المالية الحديثة في تأسيس اقتصاد فقد العلاقة مع رؤية آدم سميث. الوسطاء الجدد مثل أمازون وعلي بابا ووسطاء في العقار والأسهم وإدارة الأموال مثل بلاك روك التي تدير نحو عشرة تريليونات دولار وبالتالي لها دور مؤثر في إدارة وحوكمة الشركات.
هذه الشركات تمنحنا الفرصة لتسوق أكثر تنوعا وأسعار أفضل وتنويع في محافظنا المالية، لكنها تأتي على حساب المساءلة وتباعد بين البائع والمشتري. لكن عدم تعادل المعلومات يصبح إحدى الصفات الملازمة للسوق، ما يجعل المعلومات بين المشاركين غير متوازنة، وهذا أحد المتطلبات التي نادى بها آدم سميث. يقول: إن تقليص وتباعد العلاقة بين المنتج والمستهلك أضعف المسؤولية حتى العلاقة الأخلاقية في اقتصاد السوق اليوم. فمثلا، في 1950 كانت المؤسسات تملك 6.1 في المائة من الأسهم في أمريكا، ولذلك كان للأفراد دور مباشر فيمن يمثلهم في مجالس الإدارة، أما اليوم فالمؤسسات تملك 70 في المائة، ما يقلل دورالفرد ومعلوماته. بيت القصيد أن الوسطاء أسهموا في رفع الفاعلية وتقليص التكاليف ورفع المخاطر وتذبذب مالي أعلى وتحديات بيئية ومخاطر توقف في سلاسل الإمداد. يا ترى ما الحلول لتقليل المخاطر ورفع المساءلة والمسؤولية؟ تقول: ليست هناك حلول سحرية.
التقنية تحاول إنقاذ الموقف مرة أخرى من خلال إقراض الأفراد لبعضهم من خلال منصة خاصة والطباعة الثلاثية ستقرب العلاقة بين المصنع والمشتري جغرافيا، لكن كل هذه ليست بالحجم الذي يحد قوة المنظومة الحالية. كما أن هناك جهودا في دول عديده لتوطين الصناعة وتقليل الاعتماد على منتجين بعيدين، فمثلا بعد تجربة كورونا تحاول دول كثيرة، ومنها المملكة، تصنيع الأدوية والأجهزة الصحية، كما أن الأزمة المالية العالمية علمت العالم مدى مخاطر تشابك العلاقات البنكية، ولذلك جاءت تشريعات ورقابة تحد من المخاطر، ويبدو أنها نجحت. هل يستمر العالم في هذا التوجه أم نحن في مراجعة وانتظار لموجة عولمة أخرى؟