بايدن في المنطقة: السعودية هي الأساس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يصل الرئيس الأميركي جو بادين الى المنطقة بنهاية الأسبوع الحالي ليباشر جولة ستقوده الى إسرائيل، والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية. تحوز الجولة على اهتمام كبير في الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية، كما أنها تحوز على اهتمام كبير في المنطقة، لا سيما أن الجولة الرئاسية الأميركية تأتي في مرحلة من أدق المراحل السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة. وفي وقت تتجه كل الأنظار، ليس إلى الشق الأول من الزيارة الذي يشمل إسرائيل والصفة الغربية، حيث يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد يائير لابيد، ثم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بل الى مكان آخر، فإن كل الأضواء ستتركز على الشق الثاني الذي يزور فيه بايدن المملكة العربية السعودية، حيث يلتقي القيادة السعودية، بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم ينضم الى قمة تاريخية على مستوى القادة ستضمه في مدينة جدة الى قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربي الست، السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عمان، إضافة الى قادة مصر، الأردن والعراق. ستكون زيارة جدة الأكثر إثارة بالنسبة الى الإعلام الأميركي والعالمي، إضافة إلى أنها ستوضع تحت مجهر القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة التي تراقب بكثير من الاهتمام التحولات التي تحصل، خصوصاً على مستوى العمل المشترك الحاصل بين عدد من الدول العربية المركزية وإسرائيل لبلورة نظام تعاون وتنسيق اقتصادي، ودفاعي تشترك فيه الولايات المتحدة بشكل أو آخر.
زيارة بايدن الى السعودية هي الأساس، وإن تكن الزيارة إلى إسرائيل تحمل عنوان الهواجس الدفاعية الإسرائيلية إزاء ما آلت اليه المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، والتقدم الكبير الذي تحققه إيران في برنامجها النووي بسبب تفلتها شبه التام من التزاماتها المنصوص عنها في الاتفاق الأصلي للعام 2015، الذي يجري التفاوض من أجل احيائه قبل فوات الأوان، ونجاح طهران في تصنيع قنبلة نووية من شأنها أن تقلب رأساً على عقب المعادلات الأمنية والدفاعية في المنطقة. وبما أن زيارة السعودية هي الأساس فقد مهد لها الرئيس جو بادين بنشر مقال لافت يوم السبت الماضي في صفحة الرأي في صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية التي تصدرت خلال الأعوام الماضية الحملات الإعلامية ضد المملكة، لا سيما ضد ولي العهد السعودي على خلفية اتهامها إياه بالوقوف خلف مقتل الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول. والصحيفة التي تعتبر أنها معنية بملف خاشقجي باعتباره كان كاتب مقال رأي فيها، تخوض أيضاً المعركة ضد القيادة السعودية، ومجمل العلاقات الأميركية &- السعودية التاريخية الى جانب الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي الذي يضغط بقوة على الإدارة من أجل إعادة النظر بالعلاقات. لكن المثير للخشية أن هذه الحملات التي لم تنقطع طوال سنوات، حتى أنها شملت مؤخراً الرئيس وإدارته بسبب قيامهما بإعادة تقييم لمقاربة العلاقات مع الرياض، وبقية الحلفاء في المنطقة، هذه الحملات صبت على الدوام في صالح اللوبي المؤيد لإيران في واشنطن، وهو لوبي قوي جداً، لا يمكن الاستهانة به، لا سيما أن له امتدادات داخل الإدارة نفسها، وبالأخص داخل الفريق الكبير الذي يتعامل مع الملف الإيراني، ومفاوضات فيينا. وهذا الفريق هو عملياً الفريق عينه الذي خدم في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، يوم كان "الخيار الإيراني" طاغياً على خيار صون العلاقات مع الحلفاء التاريخيين بمن فيهم إسرائيل، وهي الأقرب الى أميركا.
في المقال الذي نشرته "الواشنطن بوست" في عددها الصادر السبت الفائت، بعنوان "لماذا أتوجه الى السعودية" يشرح الرئيس جو بايدن خلفيات الزيارة من وجهة نظره، حيث يضع نفسه في موقع الدفاع عنها قبل أن تحصل. فهو يعرف أن الحملة على الزيارة ستكون عنيفة في بعض الأوساط التي تناصب الرياض العداء، وترفع بوجهها ملفات "حقوق الإنسان" كمبرر لإعادة النظر بها. وعندما نتحدث عن إعادة النظر بالعلاقات الأميركية &- السعودية التي يعمل لها هذا اللوبي، نعني تدمير أسس العلاقة التي دامت أكثر من ثمانية عقود.
وقد تحدث بايدن في المقال عن ملف حقوق الإنسان التي أشار إلى أنها مدرجة على جدول أعماله. إنما وضع الزيارة في الإطار الأوسع، وهو الإطار الذي تضعه الدول عموماً عندما تكون التحديات كبيرة. الزيارة تأتي حسب قول بايدن في "إطار المواجهة مع روسيا والحاجة إلى أن تكون أميركا في أفضل وضع ممكن بمواجهة الصين". إضافة الى ضمان المزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط. ويقول بايدن: "من أجل تحقيق هذه الأمور يجب أن تكون لدينا علاقة مباشرة مع الدول التي يمكن أن تساهم فيها. والمملكة العربية السعودية هي واحدة من هذه الدول".
لكن الملف الأهم بالنسبة الى المواطن الأميركي العادي هو ملف أسعار الطاقة. فالزيارة بالنسبة اليه تكون ناجحة اذا ما أدت الى انخفاض ملموس في أسعار الطاقة التي ارتفعت كثيراً منذ الحرب الروسية على أوكرانيا. وهنا يشير بايدن في المقال الى أن "الرياض تعمل مع الخبراء الأميركيين للمساعدة في استقرار سوق النفط".
طبعاً عرّج الرئيس بايدن في مقالته المذكورة على مسألة تحسن العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وملف التفاوض مع إيران حول إحياء الاتفاق النووي للعام 2015، ومسألة الاستقرار في المنطقة. انما يقيننا أن الأساس من مجمل الزيارة، هو زيارة السعودية، بما يشبه الإعلان عن إنهاء العداوة مع الأمير محمد بن سلمان بعدما فشلت هذه السياسة التي اتبعها بايدن منذ انتخابه قبل ثمانية عشر شهراً. هنا يرى مراسل مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في الشرق الأوسط غريغ كارلستروم المقيم في مدينة دبي، عبر تغريدة نشرها يوم أمس الأحد، أن "بايدن يزور السعودية أولاً لإنهاء العداء الذي لا طائل منه مع "أم بي إس" (الأمير محمد بن سلمان). إنه اعتراف بالفشل. فهو لم يعِد تصويب العلاقة مع السعودية كما يقول في المقال. لقد اكتفى بإشعال نزاع من دون أن يعمد الى إعادة تقييم بنيوية للعلاقات مع السعودية".
خلاصة القول إنه يمكن اختصار زيارة الرئيس جو بايدن الى المنطقة بالزيارة إلى السعودية، من أجل دفن الخلافات التي طبعت العلاقات منذ وصول بايدن الى البيت الأبيض.
إنها زيارة مفصلية من حيث المبدأ. لكنّ ثمة شكوكاً كبيرة في المنطقة إزاء السياسة الأميركية في المنطقة. كُثُرٌ من قادة المنطقة لا يستبعدون أن يعود بايدن الى واشنطن، وألا يتغير شيء على مستوى السياسة الخارجية الأميركية التي سادت في العقد الماضي، وأدت الى إحداث تلك الهوة الواسعة بين أميركا وحلفائها في المنطقة.