قنبلة نووية إيرانية في نوفمبر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أكد ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن بلاده طالبت بإنهاء تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المتعلقة بالعثور على مخلّفات أنشطة نووية في مواقع لم تُصرّح عنها طهران للوكالة، ما قد ينطوي على وجود جزء سري من برنامجها النووي. في مؤتمره الصحافي "الاثنين"، اعتبر كنعاني إغلاق التحقيقات جزءاً من الضمانات التي تطالب بها بلاده لإحياء الاتفاق، بخلاف الإدارة الأمريكية التي رأت الردّ الإيراني غير بنّاء بسبب العودة إلى هذا المطلب تحديداً.
كانت واشنطن قد سارعت إلى إعلان موقفها من الرد الإيراني، عندما استلمته يوم الجمعة، في خروج عن نهج إدارة بايدن المتروي والميّال إلى التكتم في عملية التفاوض. لذا من المرجح بشدة أن طهران تراجعت وأعادت طرح مطالب كانت قد تخلت عنها، وبفضل تخليها ذاك تقدمت المفاوضات، وشاعت الأخبار عن النهاية السعيدة التي ستُعلن خلال أيام.
مطلب إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية هو في الأصل خارج الإطار المفترض للمفاوضات، لأنه ليس من ضمن العقوبات أو الضمانات الأمريكية، وإذا كان مطلوباً من واشنطن استخدام ثقلها الدولي لطي التحقيق فهذا أبعد بكثير من صفقة إحياء الاتفاق النووي. موافقة إدارة بايدن على المطلب الإيراني لا تُترجم فقط بأنها تقديم تنازل للحصول على صفقة انسحب سلفه من الصفقة الأصل الأفضل منها، بل تُسجّل الموافقة "لو حدثت" سابقة لن تتأخر إيران في استخدامها، فهي ستكون بمثابة إقرار بأن الاتهامات والتحقيقات ذات دوافع سياسية، ما ينسحب على أية اتهامات لاحقة ستُواجَه بالإنكار وبعدم التعاون مع الوكالة. باختصار، لا ضمانات، إيرانية هذه المرة، بألا يُستخدم طي التحقيقات كغطاء لبرنامج سري موجود فعلاً.
لمزيد من التدقيق فيما قد يعنيه وجود نشاط سري؛ من المرجح بشدة أن يكون مثل هذا النشاط عسكري الطابع، ويقع ضمن المساحة التي تُنقل فيها التكنولوجيا النووية من الاستخدام السلمي المعلن إلى المضمار العسكري. توفرُ التكنولوجيا الوسيطة هو ما يجعل لدرجات التخصيب العالية التي وصلتها خطورة كبيرة، والعتبة النووية الفعلية هي في الانتهاء من تجارب تركيب التكنولوجيا النووية على نظيرتها العسكرية، لتكون القنبلة النووية في المتناول ولو لم يتم تجهيزها على نحو نهائي.
منذ انتقلت إيران إلى مرحلة تخصيب بنسبة 60%، شاع الحديث عن أن الانتقال إلى درجة تخصيب أعلى صار ممكناً، بينما توالي طهران تركيب أجهزة الطرد المركزي الجديدة، جنباً إلى جنب مع تطوير أجيال جديدة منها. في الغضون، صرّح مسؤولون إيرانيون في العديد من المرات أن بلادهم تمتلك التقنية النووية "يُفهم العسكرية بالطبع"، غير أن عقيدتها تمنعها من إنتاج القنبلة النووية، أي أن كل شيء جاهز في انتظار إشارة البدء "الفتوى" من المرشد.
التصريحات الإسرائيلية مؤخراً لا تدعم حتى اللحظة فرضية وقوف طهران على العتبة النووية، وتكتيك التسويف في المفاوضات الذي اعتمدته الأخيرة يدعم فرضية سعيها إلى تلك العتبة قبل الوصول إلى لحظة الحقيقة، سواء بإحياء الاتفاق أو بإعلان فشل المفاوضات. على سبيل المثال فقط، استهلكت طهران عدة شهور قبل العودة إلى المفاوضات بعد فوز الرئيس الحالي "إبراهيم رئيسي" في الانتخابات، بدعوى ترتيبات نقل السلطة، ومع ذلك يلوّح مسؤولوها بين الحين والآخر بأن كل شيء رهن موافقة المرشد كنوع من الضغط، أو كتكتيك للتراجع عن تقدّم ما والعودة إلى التشدد، كما حدث مؤخراً مع التسريبات عن رفض المرشد التنازل عن مطلب إغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاص بثلاثة مواقع مشتبه بها.
أعادت طهران طرح هذا الشرط في توقيت حساس، فإدارة بايدن في موقع حرج لجهة تقديم تنازل فاقع من هذا القبيل وهي على بعد شهرين من انتخابات الكونغرس وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وسواهما من انتخابات محلية لكل ولاية. وبقدر ما هو التنازل صعب فإن إعلان الفشل لا يقلّ صعوبة، لأن إدارة بايدن بذلت في مفاوضات النووي ما لم تبذله في أي ملف خارجي آخر من وقت وجهد واهتمام، وإعلان الفشل سيكون خيبة كبرى مدوية لن يتأخر الجمهوريون عن استغلالها في الانتخابات المقبلة، وفي النيل من عهد بايدن ككل.
في ما يخص التوقيت أيضاً، تراهن طهران على ضغوط أوروبية على إدارة بايدن، بينما تعاني أوروبا من أزمة في الطاقة جراء الاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين. ملامح الأزمة في تصاعد مع اقتراب فصل الشتاء، والناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية لوّح في مؤتمره الصحفي بقدرة بلاده على إنقاذ أوروبا من أزمتها، مثلما أعاد التذكير بأن دولة أوروبية طلبت وساطة بلاده مع بوتين للبحث عن حل للحرب في أوكرانيا.
تبقى قدرة أوروبا ضئيلة على ممارسة الضغط المطلوب، ولعل الصيغة الأقل إحراجاً لبايدن هي التسويف حتى نهاية الاستحقاق الانتخابي، وبها تكون طهران قد كسبت شهرين إضافيين خارج الامتثال لشروط الاتفاق النووي، وخارج رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لن تحصل على الإجابات المطلوبة من إيران. لكي تضحّي إيران بإيرادات النفط التي يأتي بها توقيع عاجل على الاتفاق لا بد أن يكون لحكامها هدف أثمن، خاصة أن الإيرادات مغرية جداً مع ارتفاع أسعار النفط والغاز.
لقد دأبت إدارة بايدن على القول أن التفاوض مع إيران نووية أصعب بكثير من التفاوض معها في الملفات الأخرى في حال تم إحياء الاتفاق النووي، وهذا يصحّ أيضاً على أي تقدّمٍ نووي تحرزه طهران أثناء المفاوضات، أو أثناء التسويف فيها. وصول طهران إلى العتبة النووية غير مستبعد خلال شهرين، إذا أخذنا في الحسبان تقديرات إسرائيلية وغربية سابقة، وسيكون بمثابة امتلاك قنبلة تحتاج فقط إلى تجميع، وهي عتبة لن تتراجع طهران عنها، وستعتبرها ضمانتها في حال انسحب رئيس أمريكي مقبل من الاتفاق النووي. في هذا التوقيت، شراء إسرائيل طائرات تزويد وقود في الجو ليس ببعيد عن تطلعات طهران النووية، وغير بعيد أيضاً عن اليأس من الحليف الأمريكي.