بورصة سعودية لتداولات القهوة العالمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الاستثمار الفعلي في صناعة القهوة لم يتجاوز عمره العشرة أعوام، والفرصة مناسبة لإعادتها إلى أصولها العربية بخبرة ورساميل سعودية، ولو لم تكن القهوة سلعة استراتيجية لما أقيمت لها بورصة في نيويورك لمداولات أرابيكا، وثانية في لندن لمداولات روبستا، والمؤمل أن تقام بورصة ثالثة في المملكة لمداولات مختارة..
وزارة الثقافة السعودية اختارت العام الحالي كعام للقهوة السعودية، وقد تم اعتماد التسمية في يناير وحلت محل القهوة العربية في كل المطاعم والمقاهي والمحامص المحلية، مع منع استخدامها كاسم أو علامة تجارية، وشاركت المملكة في الفترة ما بين الأول والرابع من سبتمبر الجاري في مهرجان أقورا الباريسي، وعرضت مبادرتها عن عام القهوة السعودية بطابع تراثي يركز على الفنون اليدوية، ويهتم بالنقوش السعودية المرتبطة بالقهوة واختلافها بين المناطق في المملكة.
السعوديون ينفقون على القهوة قرابة 280 مليون دولار، وتعتبر المملكة أكبر مستورد عربي للبن بمعدل سنوي يزيد على 73 ألف طن، بالإضافة لكونها سادس أكبر دولة عربية مستهلكة للبن، وتأتي لبنان في صدارة الدول العربية المستهلكة، وإنتاج المملكة المحلي يتجاوز 1800 طن في العام، وبواقع 2500 مزرعة تحتوي على أربع مئة ألف شجرة، وذلك في مناطق جازان والباحة وعسير، ووفق إحصاءات وزارة البيئة السعودية، يشكل البن الخولاني والشدوي، وكلاهما من سلالة أرابيكا، معظم إنتاج البن السعودي، وتستهدف المملكة زراعة مليون ومئتي ألف شجرة منهما في 2025، بالإضافة إلى أن جازان أجرت دراسة على إقامة مصنع لإنتاج القهوة، ويتوقع أن تصل مكاسبه إلى أرقام قياسية، وأعلن صندوق الاسثمارات العامة -قبل أربعة أشهر- إنشاء الشركة السعودية للقهوة فيها، بجانب احتضانها لمهرجان سنوي احتفالي يسوق للبن ومنتجاته.
قبل حوالي أسبوعين عينت دولة بابو غينيا الجديدة وزيراً للقهوة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية، وهو يمثل سابقة تاريخية على مستوى العالم، ولعل التعيين يكشف عن أهمية القهوة عند حكومة هذه الدولة، على اعتبار أنها تصدرها وبكميات كبيرة لأميركا واليابان وأستراليا، وإنشاء الوزارة جاء لرفع معدلات الإنتاج وما يترتب عليها من إيرادات، وتعتبر القهوة ثاني أكبر محصول زراعي في بابو غينيا، وبما نسبته 27 % من صادراتها الزراعية و6 % من إجمالي الصادرات، وبالتأكيد لا يمكن مقارنتها بالخمسة الكبار الذين يستحوذون على 74 % من إنتاج البن، وهم البرازيل وفيتنام وكولومبيا واندونيسيا وأثيوبيا، ولكنها محاولة استثمار مطلوبة لاقتطاع جزء من كعكة القهوة الكبيرة، وبالأخص مع زيادة الطلب العالمي وتراجع الإنتاج في البرازيل وغيرها، نتيجة للتأثيرات المناخية وتوابعها وارتفاع اسعار الأسمدة.
العرب أول من عرف القهوة في الممارسات الدينية، وفي جلسات التسلية والترفيه، وكان هذا في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين، عندما انتقلت من شيوخ الصوفية الشاذلية والباعلوية إلى البطالين في مكة، ومنهما إلى القاهرة والشام في فترة الحكم المملوكي، ووصلت بعد المماليك إلى السلطان العثماني سليمان القانوني الذي أدخلها إلى المطبخ السلطاني، واستحدث رتبة عسكرية اسماها قهوجي باشا لمن يقوم بهذا العمل، وكان الأخير يرافق الجيوش في الحروب ويدخل في خاصة السلطان، والعثمانيون هم أول من أضاف السكر إلى القهوة، حتى أنهم أدخلوها ضمن النفقة الشرعية بوصفها جزءاً من متطلبات الحياة، وانتفلت القهوة من العثمانيين إلى البلاطات الملكية في أوروبا، وقد حرمت وتم التراجع عن تحريمها في الإسلام والمسيحية معاً، وسميت بالقهوة التركية للتفريق بينها وبين أصناف القهوة التي ابتكرها الأوروبيون، رغم أن طريقة تحضيرها مأخوذة من مصر والشام، وطرق تحضير القهوة في البادية تختلف، وكانت مقصورة على الرجال دون النساء، ومذاقها وشكلها يتفاوت بحسب الحواضن الجغرافية والطقوس، ويتغير لونها ومرارتها في بادية نجد والحجاز، مقارنة بباديتي الشام والعراق.
القهوة أكثر السلع تداولاً بعد النفط، وأكثر المشروبات تناولاً بعد الحليب والشاي، وتمثل ملاذاً آمناً للاستثمار كما هو الحال في الذهب، ووصلت إيراداتها العالمية في 2021 إلى 437 مليار دولار، وأفضل وأجود أنواع البن في الوقت الحالي هو بلاك ايفوري، الذي يتم استخراجه من فضلات الفيلة بعد أن يقدم لها كطعام، وتقدر تكلفة الكوب الواحد منه قرابة 150 دولاراً.
الاستثمار الفعلي في صناعة القهوة لم يتجاوز عمره العشرة أعوام، والفرصة مناسبة لإعادتها إلى أصولها العربية بخبرة ورساميل سعودية، ولو لم تكن القهوة سلعة استراتيجية لما أقيمت لها بورصة في نيويورك لمداولات أرابيكا، وثانية في لندن لمداولات روبستا، والمؤمل أن تقام بورصة ثالثة في المملكة لمداولات مختارة، ومن بقية الأنواع المهملة التي تقدر بحوالي 98 نوعاً، أهمها ليبريكا وأكسلسا، أو أن يكون العمل على مبادرات مماثلة لما قامت به ستاربكس، وتخصيصها 20 مليون دولار لدعم مزارع القهوة العائلية مقابل أخذ محصولها بسعر التكلفة، ومن ثم إعادة بيعه بهامش ربح معقول، أو استنساخ تجربة البريطاني الذي أخذ بن القيشا من أثيوبيا وأرسله إلى بنما، وهناك تمت زراعته ليصبح أفضل سلالة قهوة عرفها الناس، ما بين عامي 2007 و2015، ووصل الأمر إلى حد بيعها في مزادات وبأسعار خيالية، وفي المملكة بالإمكان تجربة زراعة أنواع جديدة من القهوة في مناطق الزراعة الصالحة.