معركة «خيرسون»؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أربع مدن تحدد مصير الحرب الأوكرانية: كييف، وميروبول، وخيرسون، وأوديسا. مع الشهر السابع من الحرب وانشغال العالم بنتائجها المؤثرة على اقتصاد الدنيا، وربما الانشغال لفترة قصيرة بأزمة أخرى نشبت فى &"تايوان&"؛ فإن مصدر السخونة الدولية يظل مستعرا على أرض أوكرانيا مع انتقال نقاط التركيز من كييف التى نجت من الاحتلال الروسى وتغيير نظام الحكم، إلى ميروبول الواقعة على بحر &"أزوف&" &- أحد ملحقات البحر الأسود &- والتى أشهرت سقوط إقليم &"الدونباس&" فى القبضة الروسية. والآن فإن &"معركة خيرسون&" تدور رحاها على امتداد الخط الشمالى للبحر الأسود حيث المدينة ذاتها بأبنيتها الكلاسيكية العتيقة، وسكانها الذين لا يزيدون على ٣٠٠ ألف نسمة، تقف عنوانا لهذه المرحلة من الحرب. وحتى لا تضيع الخيوط أو تختلط، فإن الحرب بدأت كمعركة روسية خالصة تحصل فيها موسكو المتفوقة فى كل شىء على العاصمة، وهناك تطيح بالنخبة &"النازية&"، ويجرى تغيير نظام الحكم، وربما يحاكم زيلينسكى رئيس الدولة إذا لم يتول أمر نفسه بالفرار، وبعدها تعود أوكرانيا ليس بالضرورة إلى أحضان روسيا فى الاتجاه المعاكس لانهيار الاتحاد السوفيتى، وإنما على الأقل تصبح من الأقمار التابعة للإمبراطورية القيصرية الجديدة.
مفاجأة الحرب كانت صمود العاصمة، وتماسك قيادتها، ونجاحها فى إدارة معركة عسكرية اعتمدت على استنزاف خطوط الإمداد الروسية الطويلة. &"ميروبول&" مثلت حقيقة أخرى من حقائق الحرب التى عبر عنها السياسى وعالم العلاقات الدولية هنرى كيسنجر عندما بشر بالسيناريو الذى يرى ضم إقليم الدونباس إلى روسيا بسكانه أصحاب الثقافة الروسية يحقق المعادلة التى تنهى حروبا على طريقة &"لا غالب ولا مغلوب&"، فتحصل أوكرانيا على البقاء المحايد بالطبع، وتحصل روسيا على الإقليم المماثل لإقليم القرم.
ولكن ليس بمثل هذا تنتهى الحروب فبعد أن حشدت روسيا لتفوقها ونجحت فى إسقاط ميروبول بعد معركة ضارية، فإنها مضت قدما للسيطرة على خيرسون التى تقود الطريق إلى أوديسا ميناء أوكرانيا الرئيسى على البحر الأسود ونافذتها البحرية الرئيسية على العالم. مواصلة الطريق هكذا تجعل أوكرانيا دولة حبيسة من ناحية، وتغلق الطريق على مراجعة ضم روسيا لإقليم القرم كله، ومن ثم يكون إعلان النصر الروسى مهما كان ثمنه مقبولا فى الخارج والداخل أيضا. مثل ذلك لم يكن ليغيب عن ذكاء القيادة الأوكرانية التى حاولت من ناحية أن تحمى أوديسا من خلال ديبلوماسية القمح التى سمحت لأوكرانيا بتصدير بعض من إنتاج القمح؛ ولكنها فى نفس الوقت شنت هجوما مضادا لاستعادة خيرسون. الفارق فى الاستراتيجية العسكرية كبير بين موسكو وكييف، حيث الأولى تدير المعركة من خلال تكامل أسلحتها المدرعة والنيرانية من المدافع والطائرات، واندفاع قوات المشاة لكى تستولى على قرى ومدن. فى العموم فإن ميراث الحرب العالمية الثانية لا يزال موجودا مع إضافة تكنولوجيات جديدة تطورت عبر الزمن، مضافا لها نوعيات جديدة من السلاح مثل الطائرات المسيرة &"الدرونز&" القادمة من إيران. على الجانب الآخر فإن الجيش الأوكرانى يدير الحرب بطريقة مختلفة، بعضها طورها وأتقنها خلال مسار الحرب منذ معركة كييف. حتى الآن فإن كييف لا تركز على اكتساب الأرض، وإنما على الإنهاك الصبور للقوات الروسية بتدمير مفاصلها اللوجستية وخطوط الإمداد والتموين ومناطق تخزين الذخيرة، وقبل ذلك كله مناطق القيادة والسيطرة، مع تكبيد القوات الروسية خسائر كبيرة فى الأرواح.
معركة خيرسون سوف تكون الفاصلة فى الحرب لأنها تلقى بأعباء ثقيلة على القيادة الروسية، لكى تعلن التعبئة العامة حتى يتوافر لها القوات التى تقضى على &"التفوق التكتيكى&" البشرى الأوكرانى وتفتح الطريق إلى أوديسا. وحتى الآن فإن موسكو تحاول تجنب ذلك بتعبئة جزئية داخل الحكومة وشركات القطاع العام لتحقيق النصر فى معركة دامية. على الجانب الآخر فإن المعركة تلقى بأعباء لا تقل ثقلا على كييف، لأن الجبهة الأوروبية وراءها أصابها إنهاك كبير من المعونات الاقتصادية والعسكرية فى الأسلحة والذخيرة التى تستهلكها القوات الأوكرانية بسرعات مخيفة؛ وأكثر من ذلك من ضغوط التضخم والأسعار والحرمان من مخزون كاف من الطاقة يوفر الدفء فى شتاء متوقع قارس قادم. كل ذلك خلق حالة من الململة والضيق والإضرابات العمالية، وانقلاب التعاطف مع اللاجئين الأوكرانيين من التعاطف إلى الضجر إلى الغضب. الميزان بين هذا الجانب أو ذاك يبدو دقيقا، وتعالجه موسكو داخليا بأن يكون شكل الحرب كما لو كانت تجرى فى بلاد بعيدة، أما كييف فإن &"العلاقات العامة&" والمعلومات التى توفرها مساء كل يوم تبدو سلاحا ليس فقط لتعبئة الجبهة الداخلية، وإنما لإبقاء حماس الحلفاء كافيا.