أميركا والصين ومعركة تايوان تحديات متعددة وخطيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتغير الدنيا، تتطور الأسلحة، تتعدل الأفكار، وتبقى الصراعات كما هي. لا مهرب من "فخ ثوسيديس" الذي حذر من الوقوع فيه جوزف ناي وغراهام آليسون، وهو خطر الحرب بين قوة صاعدة وقوة مهيمنة قلقة. وليس ما يدور اليوم بين أميركا وكل من الصين وروسيا سوى نسخة من الصراع بين أثينا واسبرطة أيام الإغريق، أميركا القوة العظمى المهيمنة قلقة حيال صعود الصين إلى مرتبة قوة عظمى، وعودة روسيا إلى دور قوة عالمية تخترق جغرافياً جيرانها، ولدى الصين وروسيا، من جهة أخرى، دوافع لتحدي الهيمنة الأميركية سواء كان السبب هو الخوف من قوتها أو استغلال فرصة الضعف في تلك القوة، وإذا كانت حرب أوكرانيا تختصر اليوم صراع أميركا مع روسيا، فإن الصراع الذي يحتوي شيئاً من "التعاون" وشيئاً من "التنافس" وشيئاً من "المواجهة" بين أميركا والصين يتركز على تايوان وإن كانت ساحاته أوسع.
ذلك أن التحديات في تايوان عسكرية واقتصادية واستراتيجية، أميركا تتقدم خطوات خارج سياسة "صين واحدة" التي التزمتها في عام 1971 أثناء زيارة الرئيس نيكسون إلى بكين، والصين تتقدم خطوات أوسع في المناورات العسكرية وما يشبه الحصار حول تايوان. زيارة رئيسة مجلس النواب التابع للكونغرس، نانسي بيلوسي، كانت محرك زيارات أميركية وغير أميركية للجزيرة التي أقام فوقها شيانغ كاي تشيك "الصين الوطنية" بعد خسارة الصراع مع ماوتسي تونغ وقيام "الصين الشعبية"، وحمتها واشنطن وأبقتها حتى عام 1971 جالسة على مقعد الصين في الأمم المتحدة، ومع الزيارات كان الإعلان عن تسليم تايوان أسلحة بقيمة 1,1 مليار دولار، والحديث عن منحها موقع "الحليف غير العضو" في الحلف الأطلسي، ومع الزيارات وبعدها كان التحرك العسكري الصيني اليومي في مضيق تايوان، والحديث عن أن الزعيم الصيني شي جينبينغ يخطط لاستعادة الجزيرة خلال ولايته الممددة، لكن الإقتصاد يوازي الحسابات الاستراتيجية في الأهمية، فالجزيرة رائدة في إنتاج "أشباه الموصلات" التي يصعب تسيير أي آلة عصرية من دونها، دخلها القومي نحو 700 مليار دولار، بينها 446 مليار دولار من أشباه الموصلات، وهي بالتالي كنز بالنسبة إلى أميركا وفي عيون الصين.
والسؤال، هل دقت ساعة الحرب لاستعادة تايوان بعدما كان ماوتسي تونغ يتحدث عن الصبر حتى مئة سنة لاستعادتها من دون قوة؟ وماذا تفعل أميركا؟ الواضح، حتى إشعار آخر، هو الدخول في حرب باردة مع الصين يحذر منها الدكتور كيسينجر ويرى فريد زكريا أنها "فشل مكلف" وأكثر كلفة من الصراع مع الاتحاد السوفياتي، والواضح أيضاً أن واشنطن تحسب ألف حساب لحرب حارة مع الصين من أجل تايوان وإن أوحت أنها مستعدة لها، فهي مدعوة إلى إثبات القدرة على الردع، كيف؟ تقول المسؤولة السابقة في البنتاغون ميشيل فلورنوي في "فورين أفيرز" إنه "إذا كانت لدى القوات الأميركية القدرة على تهديد ذي صدقية بإغراق جميع السفن العسكرية والغواصات والسفن التجارية الصينية في بحر الصين الجنوبي خلال 72 ساعة، فإن قادة الصين سيفكرون مرتين قبل الإقدام على غزو تايوان أو فرض حصار عليها". ويقول وزير الخارجية أنتوني بلينكن "سنعتمد على حلفائنا في المنافسة مع الصين".
لكن الجانب الأهم في الصراع هو حرب "القوة الناعمة". وفي رأي الأستاذة الجامعية ماريا ريبينكوفا مؤلفة "القوة الناعمة الصينية" فإن التنافس الأميركي-الصيني على القوة الناعمة واعتبارها "لعبة صفرية" ليس بالنسبة إلى دول العالم سوى "ربح- ربح" حيث الاستفادة من "إغواء الطرفين"، ولا فاصل بين القوة الخشنة والقوة الناعمة في الصين التي يدرس في جامعاتها ثمانون ألف طالب أفريقي، وهي تمارس ما تسميه "دبلوماسية الذئب المقاتل".
والشعارات معلنة، شعار شي مع أميركا "لا صراع، لا مواجهة، احترام متبادل للأنظمة في البلدين، وتعاون يرضي الطرفين"، وشعار الرئيس جو بايدن "تنافس عندما ينبغي، تعاون عند القدرة، وخصومة عندما يجب"، لكن الشعارات خادعة.