بيلوسي تخطف أرمينيا من روسيا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تتوجس روسيا خيفة من نتائج زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لأرمينيا، والآثار السلبية لزيارتها لتايوان في أواخر تموز (يوليو) الماضي لم تزل بعد ماثلة للعيان. ومن المؤكد أن هدف الزيارة لا يصب أبداً في مصلحة موسكو، في وقت تخوض روسيا والولايات المتحدة حرباً بالوكالة لا هوادة فيها في أوكرانيا، في أوسع صراع جيوسياسي يعرفه القرن الحادي والعشرون.
ولا بد أولاً من مناقشة التوقيت الذي تمت فيه الزيارة. فقد اختارت بيلوسي تجدد الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان، كي تبعث برسالة إلى القيادة الأذرية، مفادها أن واشنطن غير راضية عن التصعيد الحدودي المتكرر، والذي ينتهي كل مرة بقضم جزء من الأراضي التي تسيطر عليها أرمينيا.
وعندما تقرّع بيلوسي أذربيجان، فإنها في الوقت نفسه تبعث برسالة إلى القيادة الأرمينية، مفادها أن روسيا عاجزة عن حماية أرمينيا، أخذاً في الاعتبار الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية، التي لا تمضي وفق ما تشتهي موسكو في الأيام الأخيرة، في ضوء الهجوم المعاكس الذي يشنه الجيش الأوكراني في شرق البلاد وجنوبها.
أتت بيلوسي في توقيت دقيق يرمي إلى تقويض النفوذ الروسي في أرمينيا، ومد الجسور مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي لا تعرف عنه الحماسة للدور الروسي في بلاده، ولم يقم الجسور مع موسكو عام 2020 إلا مضطراً لوقف الحرب الأذرية عامذاك.
وتلوح الآن فرصة كي يبتعد باشينيان خطوة عن موسكو ويرتمي في الحضن الأميركي، وكأنه واثق بأن واشنطن هي الوحيدة القادرة على ممارسة نفوذ فعلي على الرئيس الأذري إلهام علييف، كي يتوقف عن اللجوء إلى القوة لحل المشكلات العالقة مع يريفان، وفي مقدمتها حسم مصير إقليم ناغورني-كراباخ المتنازع عليه.
وأن تكون بيلوسي هي أرفع شخصية أميركية تزور أرمينيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود، فإن هذه خطوة محسوبة بدقة في واشنطن ولها ما بعدها.
ولن تترك الولايات المتحدة فرصة سانحة تفلت من يدها. هذه الفرصة هي الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية، والاعتقاد بأن الكرملين ليس في استطاعته في الوقت الحاضر ممارسة ما يكفي من الضغوط على أرمينيا لمنعها من توطيد علاقاتها بأميركا.
وبما أن أذربيجان سبق أن ابتعدت عن موسكو وهي أكثر التصاقاً بالغرب وتركيا وإسرائيل، فإن ابتعاد أرمينيا عن الكرملين، يعني تقليص النفوذ الروسي في القوقاز في المرحلة المقبلة. ومعلوم أن روسيا تحتفظ بقاعدة عسكرية في أرمينيا، ولن يكون معروفاً مصير هذه القاعدة إذا استمر التقارب الأميركي - الأرميني، أو ما إذا كانت واشنطن ستضغط على يريفان كي تتخلص من القاعدة الروسية، ثمناً لتوفير الحماية الأميركية في مواجهة أذربيجان.
إن مد اليد الأميركية لأرمينيا، لن يكون كرمى لعيون يريفان بحد ذاتها. بل المصلحة الأميركية التي تقتضي تحجيم النفوذ الروسي في أنحاء العالم، هي التي تملي الخطوات الأميركية.
وعندما زارت بيلوسي تايوان، فإنها كانت تبعث برسالة قوية للصين، مفادها أن استمرار وقوف بكين إلى جانب روسيا، ستكون له تبعات على العلاقات الأميركية - الصينية، وبأن واشنطن قادرة على ممارسة الضغط على الصين انطلاقاً من تايوان ومجمل منطقتي المحيطين الهادئ والهندي.
تقف أميركا اليوم مدافعة بشراسة عن زعامتها للعالم، ولن تتنازل عنها بسهولة، ولن ترضى بعالم متعدد الأقطاب، تدعو إليه على الدوام موسكو وبكين وتقيمان لهذه الغاية "شراكة بلا حدود".
ومن ينظر إلى الاشتباكات الدائرة أيضاً بين طاجيكستان وقرغيزستان، وهما جمهوريتان سوفياتيتان سابقتان أيضاً على غرار أرمينيا وأذربيجان، وتستضيفان قاعدتين روسيتين، يتبين أن كل "الفضاء السوفياتي" السابق يهتز على وقع المواجهة الأكبر الدائرة بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.