تركيا مجدداً أمام الامتحان الأوكراني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتسارع الأحداث المرتبطة بالأزمة في أوكرانيا. وتبدو تركيا معنية بها من ألفها إلى يائها. وهكذا تجد تركيا نفسها منغمسة شاءت أم أبت في واحدة من أكثر الأزمات العالمية أهمية وخطورة.
فتركيا فضلاً عن علاقاتها الجيّدة مع طرفي النزاع روسيا وأوكرانيا، فإنها تشكل البوابة البحرية الوحيدة لهما إلى المياه الدافئة عبر البحر الأسود، ومنها إلى بحر إيجه، ومن ثم إلى العالم.
لذا تجد الدولتان نفسيهما مضطرتين لاستمرار علاقات جيدة مع أنقرة. وهذا لا شك يتيح لتركيا أن تمارس سياسة خارجية مؤثرة، نظراً لحاجة كل الأطراف المتنازعة للدور التركي في أكثر من بُعد.
ويمكن اختصار بعض القضايا التي حصلت مؤخراً والتي تعني تركيا في ثلاث:
1- خطاب بوتين الإمبراطوري: كان لخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم الأخير من أيلول/سبتمبر المنصرم، وقع كبير في الدوائر التركية بين مرحّب وممتعض ومتخوّف ومتهيّب.
ظهر بوتين كما لو أنه القيصر حامل لواء القومية الروسية التي تستعين بالتاريخ لتبرير &"الفتوحات الجديدة&" في أوكرانيا. وقد ذهب بوتين إلى أكثر من ألف سنة إلى الخلف لتبرير &"استعادة&" العالم الروسي الذي توزّع بين المركز الروسي، وبين الدول التي استحدثت مع تشكيل الاتحاد السوفييتي.
إن العزف على الوتر القومي يفتح على سياسات لاحقة قد لا تنتهي بطريقة أو بأخرى، ويُبقي جمر النزاعات قائماً ليشتعل في أي لحظة وفي أكثر من مكان.
ومثل هذه العودة إلى النزعات القومية يحفز ويشجع النزعات القومية في بلدان أخرى، خصوصاً تلك التي كان لها مجد إمبراطوري غابر بالكاد مضت على انطفائه مئة عام، مثل النزعة العثمانية المتجددة التي تم إحياؤها في تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في البلاد عام 2002، ومحاولة نشرها وتعميمها على البلدان العربية وغير العربية التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية. خطاب بوتين في تقديرنا جاء ليعزز النزعة العثمانية، ويثير ارتياح حاملي لوائها.
2- وجاءت عملية ضم لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا إلى روسيا، لتضع أنقرة على محك موقفها الحيادي نسبياً من الصراع بين روسيا وأوكرانيا والغرب عموماً.
كان من الطبيعي جداً أن تدين الخارجية التركية عملية الضمّ، وتعتبرها مخالفة للقوانين الدولية، لكن الإدانة التركية تقف عند هذا الحد ولا تتعداه إلى أي إجراء معادٍ. وكما دانت أنقرة عملية ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، فالآن تقف الإدانة عند حدود البيانات حيث ليست لتركيا مصلحة في توتير العلاقات مع روسيا، وهي التي تستورد أكثر من ثلث الغاز الطبيعي منها، وعلاقاتها الاقتصادية متقدمة، ولها علاقات متقاطعة في ساحات أخرى مثل سوريا والقوقاز الجنوبي. ويشبه هذا الموقف إدانة تركيا للغزو الروسي لأوكرانيا في البداية، ومن ثم عدم المشاركة في تطبيق العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو.
3- جاء طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ليضع تركيا أمام تحدٍ جديد. ومع أن أمين عام حلف شمال الأطلسي ستولتنبرغ نفسه اعتبر الطلب ليس في وقته، فإن تركيا معنية جداً بهذا التطور الجديد؛ إذ إن طلب انضمام أوكرانيا مختلف جداً عن طلب السويد وفنلندا.
والأتراك يعرفون جيداً أنه يمكن لروسيا أن تغفر لتركيا اللعب أحياناً في المكان الخطأ، لكن الحرب الروسية على أوكرانيا جاءت أساساً لمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي؛ لذلك فإن الموقف التركي لاحقاً سيأخذ بعين الاعتبار، الواقع الدولي حين بتّ في الطلب، والأرجح شبه المؤكد أن تركيا سترفض الطلب الأوكراني؛ لأن الموافقة التركية حينها إن حصلت تعني دخول تركيا دائرة الصراعات الإمبراطورية مع روسيا، وتغيير الحدود، وربما أبعد.