جريدة الجرائد

لماذا يحصرون أزمة الطاقة في ارتفاع أسعار النفط؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ثمة مفارقة كبيرة عندما تدخل الدول الغربية المستهلكة للنفط في إنذار بسبب قرار لمنظمة "أوبك +" بخفض إنتاج أعضائها من النفط بنحو مليوني برميل يوميا بدءا من تشرين الثاني (نوفمبر) 2022. أقامت الدنيا ولم تقعدها، وزادت من الشعر بيتا، حيث ذهب بعضها إلى إطلاق تهديدات مبطنة ضد الدول التي وقفت وراء القرار، على الرغم من أن الإجراء حتى كتابة هذه السطور، لم يسبب أي زيادة في الأسعار، على العكس الأسعار في تراجع نتيجة الركود الاقتصادي المتوقع والارتفاع الملحوظ في سعر الدولار.

والمفارقة جلية حيث يبذل مستهلكو النفط من الدول الغربية الصناعية الكبرى وسعهم للتدخل عندما ترتفع الأسعار إلى مديات يرونها غير مرضية لدوران عجلة اقتصادهم. لكن من جهة أخرى، لا يحركون ساكنا، لا بل أحيانا يندبون حظ الدول المنتجة للنفط، وهم في انشراح وسعادة، لرؤيتهم الأسعار وهي تهبط إلى مديات غير مرضية لدوران عجلة اقتصاد الدول المنتجة.
ويا لها من مفارقة، لأن الدول المستهلكة تريد لا بل تكافح ليكون مواطنوها فرحين وهم يعبئون مركباتهم بالوقود، أما ماذا يحدث للدول المنتجة ومواطنيها عند هبوط الأسعار إلى مستويات متدنية، فهذا أمر لا يخصها.
ولكي نضع العواطف والتحيز جانبا، يبدو لي أن الدول الغربية المستهلكة للنفط استقت دروسا بليغة من أزمات الطاقة الشديدة السابقة، خصوصا أزمة 1973 التي وقعت بسبب الحرب بين العرب وإسرائيل في حينه، ثم أزمة 1979 التي سببتها الثورة الإيرانية.
هاتان الأزمتان غيرتا الكثير، حيث شرعت الدول الغربية المستهلكة للنفط في إقامة الخزائن الاستراتيجية لتخزن فيها مئات الملايين من البراميل تكفي كمياتها لشهرين أو ثلاثة في حال انقطاع الواردات، أو التدخل في العرض لخفض الأسعار.
وزاد الغرب زهوا عندما بدا أن دوله تقترب من ساعة الاستغناء عن البترول ومشتقاته بعد التطورات التكنولوجية التي ساعدت على نمو الاستثمار في مصادر الطاقة المستجدة أو البديلة للنفط.
وكانت أغلب التوقعات في الغرب تشير إلى أن عهد الطاقة الأحفورية في أفول، وأن الدول المنتجة للنفط على وشك أن تخسر مكانتها كمحرك للاقتصاد العالمي ومركز للرخاء والثراء.
وسارت الرياح في الغالب حسب ما تشتهيه هذه الدول حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا التي دخلت شهرها السابع والعواقب الخطيرة التي أفرزتها، ليس على إمدادات الطاقة فحسب، بل على أغلب سلاسل إنتاج المواد والبضائع الأساسية.
وصارت أزمة الطاقة أحيانا أصدق أنباء من أزمة الحرب ذاتها، بفارق أن الغرب بدلا من استقاء دروس مفيدة منهما، بدأ يخبط خبطا عشوائيا في إدارته للأزمتين الشديدتين ـ الحرب والطاقة.
إن كان العالم شهد ثلاث أزمات كبيرة لارتفاع الأسعار وشح المعروض منذ مستهل السبعينيات حتى الأزمة الحالية، فإن أزمات الدول المنتجة المتمثلة في هبوط حاد للأسعار وتخمة في المعروض أكثر إيلاما وأكثر عددا وفتراتها قد تمتد إلى أعوام طويلة.
وواجهت الدول المنتجة أزمة طويلة أخرى ـ امتدت أكثر من عشرة أعوام ولم تنته حتى 2009 ـ هبطت الأسعار فيها في بعض الفترات إلى ما دون عشرة دولارات للبرميل.
وكان لا بد للدول المنتجة متمثلة في كبار المنتجين من تعلم الدرس، وهو أن الأسعار يجب أن تكون مجزية يستفيد منها المنتجون ولا تكون سبب ركود يشل اقتصادات الدول المستهلكة.
مشكلة الدول الغربية المستهلكة للنفط هو الاعتقاد أنها الوحيدة التي تتعلم الدرس، أو أنها الوحيدة التي تحول الأزمات إلى مصلحتها، غاب عن بالها بروز قيادات شابة في الدول المنتجة للنفط لها من الجرأة والكاريزما لدراسة الأزمات بتعمق واستباق وقوعها، لأنها مصممة على نقل دولها إلى علو وسمو من مصاف مختلفة.
هذه قراءة متواضعة لقرار "أوبك +" غير المتوقع بالنسبة إلى الدول الغربية المستهلكة للنفط التي تتصور ـ أو هكذا بدا لها ـ أن المنظمة لا بد أن تخدم مصالحها، أو أن قرار تحديد معدلات الإنتاج وسقوف الأسعار لا يزال في يدها. كم كانت مخطئة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف